احتمالات الحرب الشاملة في المنطقة تزداد

[ad_1]

الحجيلان: اتُهمت بـ«إيواء الشيوعيين» فرد الملك فيصل بتكليفي وزارة إضافية

في الحلقة الثالثة من مذكرات رجل الدولة السعودي الشيخ جميل الحجيلان، أحد أبرز وجوه الدبلوماسية في المملكة، كواليس توليه وزارة الصحة مع وزارة الإعلام، بعد اتهامات وجهتها إليه «شخصية كبيرة» بـ«إيواء الشيوعيين» في وزارة الإعلام. ويروي قصة الطلب الذي قدمه إلى الملك فيصل للإعفاء من المنصب الوزاري، كاشفاً عن أن شعوره «بالمرارة والإحباط وأنا أصارع وزارة المالية كي أحصل على الحد الأدنى لوزارة الصحة» كان بين أسباب الطلب غير المألوف الذي انتهى بموافقة لجنة شكّلها الملك للبتّ فيه من دون أن يفاتحه في شأنه أو يحدثه عنه. تنفرد «الشرق الأوسط» بنشر فصول من المذكرات التي ستتوفر في جناح «شركة رف للنشر» بمعرض الرياض الدولي للكتاب بعنوان «جميل الحجيلان: مسيرة في عهد سبعة ملوك».

الحجيلان يكتب خطاب تعيينه وزيراً للصحة

في مايو (أيار) 1970، استدعى الملك فيصل الوزير الحجيلان وأبلغه بأنه سيعينه وزيراً للصحة. يتذكر الحجيلان: «مضت أيام من دون أن يصدر أمر ملكي بذلك، وفي هذه الأثناء ذهبت مع الدكتور رشاد فرعون، المستشار الخاص للملك فيصل، إلى مكتب الأمير خالد، ولي العهد، للسلام عليه كالمعتاد، ووجدنا في مكتبه شخصيات من وجوه المجتمع والأمراء. دار الحديث عن الإعلام، وانبرت شخصية عامة كبيرة ليست ذات منصب رسمي بالتطاول على وزارة الإعلام متهمة إياها، ووزيرها معها، بإيواء العناصر الشيوعية من موظفيها الكبار، وحصلت مشادة كلامية حادة بيننا».

الملك فيصل (غيتي)

نقل الدكتور رشاد فرعون الواقعة إلى الملك فيصل، ولم يستفسر الملك من الحجيلان عما جرى. بعدها بأيام، أخبره رئيس ديوان رئاسة مجلس الوزراء الشيخ صالح العباد، بأن الملك يريد أن يُصدر أمراً بتعيينه وزيراً للصحة، بالإضافة إلى وزارة الإعلام ويرغب في أن يكتب الحجيلان بخط يده مشروع الأمر الملكي! ويعلق: «يريد الملك بذلك أن يبعث برسالة بأن فيصلاً لا يقبل أن يجري تطاول على واحد من وزرائه، ولا يقبل أن يُطعن الموظفون المواطنون في ولائهم».

صدر الأمر الملكي في مايو 1970 بتعيين الحجيلان وزيراً للصحة ووزيراً للإعلام بالنيابة. وبعد أشهر عُيِّن الشيخ إبراهيم العنقري وزيراً للإعلام، وتفرغ الحجيلان للصحة، وعن ذلك يقول: «جئت لوزارة الصحة وأنا إنسان لا يرحب برؤية الطبيب، ويكره تعاطي الدواء، ولا يطيق رؤية المستشفيات، وزيارة المرضى على أسرّتهم. جئت لوزارة الصحة، كي أجد نفسي في عالم الطب والأطباء، وأنا أشد ما أكون جهلاً بكل ما يتصل بهذا الوسط الإنساني النبيل. هذا ما كنتُ عليه من الهواجس، وأنا أستقر في مكتبي في وزارة الصحة في الأيام الأولى من عملي متفرغاً لهذه الوزارة».

مواجهة الكوليرا وإعادة طائرة الحجاج

بعد أشهر من تولي الحجيلان مسؤولية الصحة، ظهر وباء الكوليرا في المنطقة الشرقية، ونتجت منه أكثر من 150 وفاة. يقول الحجيلان: «كنتُ قلقاً للغاية، ورأيت في تفجر هذا الوباء، وأنا في الأشهر الأولى من عملي في وزارة الصحة، نذيراً لا يبشر بالخير، ودليلاً على صعوبة وحساسية العمل الذي أنا مقبل عليه… والوباء يضرب جزءاً من الوطن، وقد يهدد بضرب أجزاء أخرى».

شكّل الملك فيصل لجنة برئاسة النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية آنذاك الملك فهد، ومنحه الصلاحيات اللازمة، وباشرت وزارة الصحة مهامها في مكافحة الوباء واتخذت عدداً من الإجراءات الاحترازية والوقائية التي تذمر منها السكان، وتم تحويل أحد القصور الملكية مستشفى للطوارئ ومعالجة آلاف الحالات المصابة، وأُعلن رسمياً نظافة المملكة من الكوليرا.

الحجيلان متحدثاً إلى «الشرق الأوسط» عن مذكراته (تصوير: محمد عثمان)

ويذكر الحجيلان أنه في موسم حج 1972 وصلت رحلة «طيران الشرق الأوسط» اللبنانية من نيجيريا، وعلى متنها ما يزيد على مائتي راكب. جاءت الرحلة من المنطقة الموبوءة بالكوليرا، من دون التقيد بإجراءات منظمة الصحة العالمية، فوجّه بعدم السماح لركاب الطائرة بدخول المملكة، وأجبرها على مغادرة جدة بعد ساعة من هبوطها. «أخبرت الملك بما كان، كأني به قد فوجئ بما عمدتُ إليه من إجراء حاسم سريع، وسأل، رحمه الله: ألم يكن هناك حل آخر؟ قلت: لا يا طويل العمر، ليكون في ذلك وقاية للبلاد، وردع لشركات الطيران الأخرى. نظر إليّ نظرة صامتة خالية من الشعور بالارتياح، وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله».

بعثة لإدارة المستشفيات

كانت المستشفيات تدار من قِبل أطباء، وكان هذا الخيار الوحيد المتاح للوزارة في إدارة مستشفياتها الذي درجت على السير عليه. وقد يبدو الأمر للوهلة الأولى معقولاً؛ فالطبيب أدرى بشؤون المستشفى والأطباء العاملين فيه، إلا أن إدارة المستشفى هي إدارة لمؤسسة لا تقتصر فقط على الجانب العلاجي فيها. إنها إدارة لشؤون الموظفين والصيانة والمشتريات، والمساءلة الإدارية، وغير ذلك من العمل الإداري متشعّب الوجوه. وهذه، في الغالب، بعيدة عن دراسة الطبيب وتخصصاته. إنها علم يدرس في معاهد متخصصة.

يقول الحجيلان: «علمنا، بعد قيامنا بالتحريات الكافية، أن في الولايات المتحدة معاهد جامعية متخصّصة في تدريس علم إدارة المستشفيات لغير الأطباء. تحمّسنا لهذه الفكرة، وقررنا المضي فيها؛ فهي جديرة بالمعرفة والاستكشاف. ابتعثنا دفعة أولى مكوّنة من جامعيين غير أطباء إلى معهد جامعي أميركي مُتخصّص في إدارة المستشفيات. أنهى المُبتعثون دراستهم، وعادوا كي تعهد إليهم الوزارة بإدارة بعض مستشفياتها».

أول جهاز لغسل الكلى

كان الحجيلان كمديري المستشفيات الجدد هؤلاء، يتحسس طريقه في إدارة وزارة الصحة وفهم عالمها. وهو يروي واقعة من هذه الفترة تعكس اجتهاده في تلبية متطلبات منصبه الجديد. يقول: «وصلتني رسالة من مواطن سعودي يقيم في لبنان يشكو من المعاناة التي يلقاها في مراجعته لمستشفى الجامعة الأميركية في بيروت من أجل غسل الكلى مرتين في الأسبوع، فضلاً عما في ذلك من إثقال مالي عليه لم يعد قادراً على مواجهته. لم أفهم ما كان يشير إليه صاحب الرسالة في موضوع غسل الكلى. كانت المرة الأولى التي أسمع فيها بأمر كهذا، وعذري في ذلك أنني دارس للقانون ولستُ دارساً للطب».

ويضيف الحجيلان: «استدعيت مدير المستشفى المركزي في الرياض الدكتور سعيد رباح، وكان إدارياً حازماً يُعتمد عليه في إنجاز المُهمّات، حدَّثته في الأمر وطلبتُ إليه تولّي مُهمّة تأمين هذا الجهاز للمستشفى المركزي في الرياض، ووجّهته بالسفر إلى بيروت والاجتماع بمسؤولي الجامعة الأميركية كي يساعدوننا بالأمر. لم تمضِ أشهر إلا وكان جهاز غسل الكلى يعمل في المستشفى المركزي في الرياض، ومعه اختصاصية فنيّة أعارها لنا مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت. كان هذا الجهاز الذي دفعت إليه الصدفة فتحاً في خدماتنا الصحية، ولحقت به أجهزة أخرى في مستشفياتنا الأخرى».

طلب الإعفاء و«الحجة الضعيفة»

بعد ثلاث سنوات من عمله وزيراً للصحة، بدأ الحجيلان يفكر في طلب إعفائه من منصبه الوزاري. ويقول: «بدأت أشعر بالإرهاق وضغط العمل المتكاثر على صحتي، ووصلت إلى الاقتناع بأن الأمر يحتاج إلى سنين عديدة من العمل المتواصل الذي قد لا أقدر عليه. هناك عامل آخر مرده بعض مواقف وزارة المالية من طلبات وزارة الصحة».

ويوضح أنه «أمر طبيعي أن تناقش وزارة المالية الوزارات الأخرى، بطلباتها ومشاريعها، كي توازن في توزيعها ميزانية الدولة بين مُختلف الوزارات، إلا أني كنت أشعر أن مواقف وزارة المالية المُتشددة معنا، رغم توجيه المقام السامي بدعم جهود الوزارة، تكاد تحدّ من طموحاتنا، ونحن نسعى لخدمات صحية أفضل. هذا في الوقت الذي كنت أرى فيه وزارة المالية توافق على اعتماد مئات الملايين من الريالات لوزارة الدفاع وللحرس الوطني، كي تبني مستشفيات لمنسوبيها من عسكريين ومدنيين».

ويضيف: «كنت أغتبط لما يحصل عليه الحرس الوطني ووزارة الدفاع من اعتمادات لمشاريعهما الصحية، ففي هذه المشاريع دعم للخدمات الصحية في الوطن، إلا أنني كنت أشعر بالمرارة والإحباط أیضاً وأنا أصارع وزارة المالية كي أحصل على الحد الأدنى مما نتطلّع إليه من اعتمادات. ولم يكن، بطبيعة الحال، في موقف وزارة المالية هذا، إقلال متعمد من أهمية وزارة الصحة بالنسبة للمواطنين، إلا أنها كانت ترى في طموحاتنا المشروعة أمراً مبالغاً فيه. وكان هذا دائماً محل خلاف بيننا وبينها في كل عام».

حسم الحجيلان أمره وقرر تقديم طلب الإعفاء من منصبه الوزاري. لكن «كان عليَّ أن أختار وسيلة لرفع هذا الرجاء. استبعدتُ فكرة الحديث إلى الملك فيصل، فقد يفاجئني بسؤال يربكني، فلا أحسن الجواب عليه، والذين يعرفون الملك فيصل لا يستبعدون هذا. ولكم وقع الوزراء، في موقف الحرج، وهم يتحدثون إليه كي يفاجأوا بسؤال منه يربكهم فتخونهم القدرة على الإجابة. قررت الكتابة إليه، كي أتجنّب المُواجهة، وما قد يرافقها من مفاجآت».

رفع الحجيلان كتاب الإعفاء إلى الملك، فلم يستدعه ليسأله أو يبتّ في الأمر، وأحال الطلب للجنة الخاصة المكوّنة من الأمراء خالد بن عبد العزيز، ولي العهد، ومساعد بن عبد الرحمن، وزير المالية، وفهد بن عبد العزيز، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، وعبد الله بن عبد العزيز، رئيس الحرس الوطني، وسلطان بن عبد العزيز، وزير الدفاع، ونواف بن عبد العزيز، المستشار الخاص للملك، ومُقرّر اللجنة الدكتور رشاد فرعون، المستشار الخاص للملك. ويتذكر: «كانت حجتي تبدو ضعیفة، وأنا أدفع باعتلال صحتي سبباً للإلحاح، ولم يكن الأمير فهد مقتنعاً بما أبديته من أسباب. ولما كان الإلحاح في طلب الإعفاء من منصب وزاري أمراً غير مألوف، وقد يكون وراءه من الأسباب الشخصيّة ما يدفع إليه، وافقت اللجنة الخاصة. لكن الأمر الذي يستوقف النظر في كل ما يتصل بطلب إعفائي أن الملك فيصل لم يحدثني بشيء، كأني لم أكتب إليه».

ملك يعمل أكثر من وزرائه

يتذكر الحجيلان الجدول اليومي الدقيق للملك فيصل، ويروي قائلاً: «سار الملك فيصل على نهج منتظم دقيق، في حضوره والعمل في مكتبه. كان يتواجد في مكتبه في ديوان رئاسة مجلس الوزراء ثلاث مرات في اليوم. يأتي في ضحى النهار، نحو الساعة العاشرة والنصف صباحاً، ويظل يعمل إلى حين اقتراب موعد صلاة الظهر، فيتوجّه إلى المسجد الملحق بمسكنه في قصر المعذر. وبعد الصلاة يتناول الغداء مع بعض المواطنين ويرتاح قليلاً في منزله ثم يعود إلى مكتبه بعد صلاة العصر، ويظل يعمل إلى اقتراب موعد صلاة المغرب. وإذا كان في الرياض، يتوجه إلى إحدى التلال المرتفعة ليؤدي صلاة المغرب، ومعه الأمير خالد أو الأمير سلطان، وكل من أبناء عمه الأمير فيصل بن سعد والأمير فهد بن سعد. أما إذا كان في جدة فيؤدي صلاة المغرب في نقطة صحراوية هادئة على طريق جدة – المدينة المُنوّرة. وفي المساء يعود إلى مكتبه بعد صلاة العشاء، ويظل يعمل حتى الساعة العاشرة مساءً ليعود إلى منزله، حيث يجتمع بأسرته والمقربين من مستشاريه… كنت أتردَّد على مكتبه مساءً، وكأني أراه الآن لشدة ما التصقت بذاكرتي تلك اللحظات من ذلك الزمن الراقي الجليل».

الملك فيصل في مكتبه بالرياض (غيتي)

كان الشيخ محمد النويصر، رئيس المكتب الخاص للملك فيصل، يعرض عليه مساءً من الأمور ما يستوجب العرض، «وإذا ما فرغ الملك من النظر فيما عُرِض عليه، يتناول تقويم أم القرى من على مكتبه، يطالع بعض صفحاته إلى أن يحين موعد نشرة أخبار العاشرة ليلاً من إذاعة لندن العربية. كان على مكتبه راديو صغير، وإذا ما حلت الساعة العاشرة مساءً، امتدت يده إلى الراديو فتنطلق دقات ساعة (بيغ بن) معلنة العاشرة، كأن الملك فيصل هو الذي أدار تلك الساعة من على مكتبه في الرياض. إنها دقة فريدة متناهية تستوقف الفكر والبصر. فهو الملك الذي تجده في مكتبه ثلاث مرات في اليوم، في مواعيد محكمة دقيقة، تكاد تضبط ساعتك عليها، ولا عذر، إذن، لوزير في عدم الرجوع إليه، وهو الموجود في مكتبه أكثر من الوزراء في مكاتبهم».

السفير السعودي ينام في منزل الرئيس الألماني

في مارس (آذار) 1974، صدر الأمر الملكي بتعيين الحجيلان سفيراً ومندوباً فوق العادة في ألمانيا الاتحادية. جاء هذا التعيين بعد تسع سنوات من قطع عدد من الدول العربية (بينها السعودية) العلاقات الدبلوماسية مع ألمانيا، على خلفية دعمها إسرائيل بأسلحة متقدمة ومساعدات عسكرية.

الحجيلان مع وزير الخارجية الألماني هانس ديتريش غينشر

كان على الحجيلان أن يعمل على استئناف العلاقات والصلات وإعادة فتح السفارة واستكمال جهازها. يتذكر الحجيلان: «شاءت الصدف، أن نجد للإيجار بيتاً صغيراً ذا حديقة جميلة يملكه رئيس جمهورية ألمانيا الجديد السيد فالتر شيل. كان منزلاً مؤثثاً يقع في رابية خضراء تطل على منظر طبيعي أخاذ، وكان منزلاً متواضعاً في حجمه، متواضعاً في أثاثه، ليس فيه حظيرة لسيارة ساكن الدار، وكان أجمل ما فيه، وأكثره إغراءً لسكناه، موقعه وحديقته الصغيرة الجميلة. فكان أن استأجرنا دار الرئيس لمدة ستة أشهر، وتسرَّب الخبر للصحافة الألمانية، وبدأت صحف الإثارة تنسج القصص الخيالية، وتسرف في صنع الأقاويل حول هذا الإيجار، وقيمة الإيجار، والشروط السرية المحيطة به. وكان من أظرف التعليقات قول بعض الصحف إن السفير السعودي ينام في فراش رئيس الجمهورية، وإن القهوة العربية ستحل محل النبيذ الألماني الأبيض في بيت الرئيس، وإن صفقة دبلوماسية تمت بین السعودية وألمانيا حول استئجار بيت الرئيس! وما إلى ذلك من قصص الإثارة المُحبّبة لعامة الناس».

بلغ الاهتمام بإحدى الصحف إلى أن تسعى لاستقصاء ما تعتقد أنه «الحقيقة المحضة» في هذه القضية وصارت تبعث بمراسلها ومعه مصوّر إلى منزل الحجيلان كي ينتظره لدى عودته من مكتبه ليستجلي هذا الأمر الذي أثار الفضول إلى حد كبير. وظلّت بعض صحف الإثارة تتناول على مدى أسبوعين هذا الإيجار/القضية، واسم السفير السعودي الجديد يتردد فيها كل يوم.

[ad_2]
Source link