الميدان اليمني – وكالات
نشرت مجلة “فورين بوليسي” تقريرا للصحافية البريطانية المصرية علا سالم، تقول فيه إن هروب الأميرة هيا بنت الحسين من دبي هو نهاية للحكاية الخرافية “الجنيات الساحرة” لحاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، مشيرة إلى أن هذا الأمر قد يكون مجرد بداية لمشكلاته.
وتقول سالم إن كل شيء عن الأميرة هيا كان رائعا، فكانت الأميرة، وهي الأخت غير الشقيقة لملك الأردن عبد الله الثاني، الوجه الأبرز والمعروف من بين زوجات حاكم دبي الست، وعادة ما كانت تظهر إلى جانب زوجها في المناسبات الإقليمية والدولية، وترحب بالزوار الكبار، وتلقي الخطابات، وهو أمر غير عادي لزوجة حاكم دولة خليجية.
ويستدرك التقرير، الذي ترجمته “عربي21″، بأنها برزت في الآونة الأخيرة لسبب مختلف، فقد أصبحت جزءا من موجة متزايدة في العالم العربي: نساء يهربن من بيوتهن بحثا عن ملجأ في مكان آخر، فالأميرة هيا هي المرأة الثالثة التي يعتقد أنها هربت من المدينة، وهي الدولة المتلألئة التي يحكمها زوجها، مع ولديها الشيخ زايد (7 أعوام) والشيخة جليلة (11 عاما).
وتذكر المجلة أن الشيخ محمد، الذي يشغل نائب رئيس الإمارات ورئيس الوزراء، قام بتقديم دعوى قضائية في محكمة بريطانية، فيما لا تزال قصة هروبها محاطة بالسرية والغموض، مستدركة بأن الدعاوى القضائية المتوقعة في محاكم لندن ستكشف عن ملامح فضيحة كبرى عن حاكم وأميرة بارزين في المنطقة.
وتجد الكاتبة إن هناك بعض الإشارات عن الفضيحة يمكن فهمها من خلال القصيدة التي يقال إن الشيخ كتبها ونشرها مقرب منه على وسائل التواصل الاجتماعي في 22 حزيران/ يونيو، وتصف القصيدة الأميرة بالخيانة والكذب، وجاء فيها:
“بعض الخطا اسمه خيانة
ونتي تعديتي وخنتي
يا خاينة أغلى أمانة
كشفت ملعوبك ونتي
كذبك ترى ولى زمانه
ما يهمنا كنا وكنتي”
وآخر بيت يقول فيه إنه لم يعد يهتم إن “عشت أو متّ”.
ويلفت التقرير إلى أن الشيخ محمد بن راشد شاعر معروف، وعادة ما يفتتح المناسبات المحلية بقصيدة من قصائد الشعر النبطي المعروف في منطقة الخليج، مشيرا إلى أنه من غير المعتاد أن يقوم عربي، ناهيك عن حاكم عربي بارز، بالحديث عن خلافاته الزوجية بشكل علني، والإشارة إلى أنه كان ضحية خيانة.
وتقول المجلة إن “القصيدة، التي تحمل أسلوب الشيخ في أشعار سابقة، تؤكد أن الأميرة هربت فعلا من القصر، لكن بعيدا عن الرسالة الرئيسية التي تحملها القصيدة إلا أنه لا يمكن اعتبارها دليلا للفضيحة، ويبدو أن القصيدة كتبت لتكون ملجأ أخير بعدما اكتشف (لعبة) بين زوجته وطرف ثالث، وقال إن أكاذيب المرأة هي أسوأ ما في الأمر، فلديه براهين الإدانة بعدما أرخت لحصانها العنان، وهو ما أدى إلى قتل الزواج”.
وتنوه سالم إلى أن لجوء الشيخ محمد إلى مجاز الفرس هو تذكير بحبه للخيول، كما أن زوجته فارسة معروفة، لكنه يقول إن الأمر شوه سمعتها لا سمعته، مشيرة إلى أن هناك أسبابا للشك في نسبة القصيدة للشيخ، والذنب الذي ارتكبته الأميرة بمغادرتها دبي، فهي في النهاية ليست الوحيدة التي تهرب من دبي، ففي العام الماضي فرت ابنته لطيفة من زوجته الجزائرية على متن يخت قبل القبض عليها وإعادتها إلى دبي، وظل مجمل القصة سرا باستثناء شريط تركته لطيفة وتحدثت فيه عن غياب الحرية والاختيار والعنف المنزلي الذي عانت منه بناء على أوامر من والدها.
ويفيد التقرير بأن الأميرة هيا حاولت التغطية على قصة الشيخة لطيفة، عندما ظهرت الشيخة في صورة مع رئيسة إيرلندا السابقة ماري روبنسون، وانتقدت الأخيرة على مشاركتها فيما نظر إليه على أنه خدعة علاقات عامة نيابة عن دبي، وتعرضت الأميرة لنقد، حيث كتبت عدة منظمات غير حكومية إلى الأمم المتحدة، مشتكية عما رأت فيه تضاربا للمصالح، خاصة أن الأميرة هي سفيرة نوايا حسنة في المنظمة الدولية.
وتعلق المجلة قائلة: “يبدو أن الأميرة تعاملت مع النقد بجدية، وليس الموجه لها فقط، بل الموجه لزوجها أيضا، ففي 5 كانون الثاني/ يناير قالت في مقابلة إنها ستتوقف عن الدفاع عنه لو ثبت أن قصة الشيخة لطيفة ليست صحيحة، وبعد المقابلة لم تعد تظهر في المناسبات العامة، ولم تكن ناشطة على وسائل التواصل منذ شهر شباط/ فبراير، وغابت عن سباق الخيول في أسكوت الشهر الماضي، وحضر الشيخ محمد المناسبة، وظهر في صورة إلى جانب ملكة إنجلترا، ونشرت قصيدته في اليوم الأخير من السباق”.
وتشير سالم إلى أن القصيدة أثارت عاصفة من الشائعات في المنطقة، واحتوت كلها على خيالات واقتراحات عن خيانة زوجية، إلا أن مقربة من الشيخة لطيفة قالت إن ما دفع الأميرة هيا للهروب هو الرغبة في حماية ولديها من والدهما القاسي.
ويورد التقرير نقلا عن تينا يوهانين، التي ظهرت في “سيلفي” إلى جانب الشيخة لطيفة أثناء الهروب، قولها: “يبدو أنها فتحت عينيها وأرادت البحث عن مستقبل أفضل لها ولولديها، ولم تكن تريد زواجهما ممن لا يحبان، أو السجن داخل أسوار القصر”.
وتلفت المجلة إلى أن هروب الأميرة أعاد تسليط الضوء على هروب لطيفة وشقيقتها شمسة، التي هربت من قصر والدها في منطقة ساري عام 2000، وقبض عليها لتعاد قسرا إلى دبي، حيث لم يسمع عنها.
وتنقل الكاتبة عن محامي الشيخة لطيفة، ديفيد هيغ، الذي حاول منذ عام تقديم دعوى لمحكمة بريطانية تجبر دبي على إعادتها، قوله إن أي دعوى قضائية تتقدم بها الأميرة هيا ستساعد موكلته، وأضاف: “هذا أمر جيد، فالأميرة هيا تحتاج لأن تظهر أنه (الشيخ محمد) رجل خطير على أولاده.. نحن فرحون لهيا لكن الأمور ستكون جيدة للطيفة”.
وبحسب التقرير، فإن أي شهادة من الأميرة هيا تقدمها أمام المحكمة بنفسها أو نيابة عنها، بما في ذلك شريط فيديو لطيفة وفيديو آخر من 10 دقائق، ربما أدان حاكم دبي في محكمة بريطانية، ليس فقط نيابة عنها، بل عن ابنة زوجها أيضا، لافتا إلى أن هروب الأميرة لن يقدم شرعية لما تحدثت عنه الشيخة لطيفة من سجن ومزاعم تعذيب فقط، لكنه سيقدم أيضا صورة متناقضة عن مدينة دبي الجذابة، وكونها مركزا للتجارة الدولية، وواقعها بصفتها مكانا تعيش فيه المرأة محرومة وعرضة للتمييز الثقافي والقانوني.
وتنوه المجلة إلى أن الإمارات هي الدولة الخليجية الوحيدة التي لم تقر قانونا ضد العنف المنزلي، مشيرة إلى قول المحققة في “هيومان رايتس ووتش” هبة زيادين، إن العنف المنزلي لا يأخذ في الاعتبار حالات الطلاق، لا يتم النظر في موضوع العنف المنزلي حتى عندما تصدر المحكمة قرارات حول حضانة الأطفال، مع أن القانون يسمح للمرأة بتربية أولادها حتى سن البلوغ، أو حتى تتزوج مرة ثانية أو في حال ثبوت أنها تجاوزت الشريعة.
وتقول سالم إن الأميرة لو بقيت في دبي، فإنه لن تكون لديها فرصة الحفاظ على ولديها، خاصة أن حاكم المدينة هو زوجها، وعلاوة على هذا فقد اتهمها بالخيانة، مشيرة إلى أن قرارها الهروب إلى بريطانيا، وليس بلدها الأردن، ربما جاء بحثا عن نظام يؤكد حكم القانون، فلو عادت مثلا إلى الاردن فإن الحكومة ستتعرض لضغوط شديدة من حكومة دبي لتعيدها.
ويستدرك التقرير بأنه رغم فشل محاولة لطيفة الهرب، إلا أن عددا من النساء الغنيات أرسلن لهيغ يطلبن المساعدة، بما في ذلك أميرتان، أرسلن أشرطة فيديو تتحدثن فيها عن الوضع البائس، ما يتماشى مع موجة هروب نساء من الخليج بسبب التمييز الديني والثقافي.
وعبرت ثلاث نساء تحدثت إليهن الكاتبة خلال الأسابيع الماضية عن عدم ثقة في نظام الشريعة وسيلة لحماية حقوقهن، لدرجة إن بعضهن قلن إنهن تركن الإسلام، بحسب المجلة.
وتختم “فورين بوليسي” تقريرها بالإشارة إلى أن هروب الأميرة هيا، التي تعد من أكثر النساء المحظوظات في المنطقة، التي تزوجت من أحد أثرى وأكثر الرجال قوة في العالم، يحمل رسالة إضافية، وهي أن نساء الطبقة الحاكمة يواجهن معاناة وبهدوء، ولأن الأميرة هيا لديها مكانة دولية غير مسبوقة، فإن الشيخ محمد قرر التحدث علنا عن مشكلاته الزوجية ومن خلال قصيدة.