الميدان اليمني – خاص- :
لم تخفي تل أبيب نيتها الاستعمارية في احتلال سواحل اليمن والسيطرة على مياهها الإقليمية في البحر الأحمر لتعيد للذاكرة خفايا تلك المطامع في التواجد في مضيق باب المندب والتحكم في حركة السفن البحرية بحجة ما تسميه الخطر الإيراني عليها .
ولعل ما أوردته القناة الإسرائيلية الـ 12 ” أن الجيش الإسرائيلي بات يعتبر بأن اليمن قد أصبحت بمثابة “جبهة جديدة” عليه الاستعداد لمواجهتها، بدعوى أن تلك الدولة العربية أضحت في قبضة إيران، كونها أصبحت ضمن “محور الشر” الإيراني، بحسب القناة.
وأفادت بأن ” إسرائيل عملت لسنوات طويلة في البحر الأحمر لمنع تهريب الأسلحة الإيرانية إلى قطاع غزة، وتحمي السفن التجارية الإسرائيلية التي تمر في البحر، ولكن منذ فترة قليلة أضحت اليمن بمثابة خطر على المصالح الإسرائيلية في المنطقة ”
لتؤكد تلك التصريحات لقيادات في الجيش الإسرائيلي وما أورده إعلام تل أبيب بأن النوايا باتت واضحة للعيان في التوسع الإسرائيلي نحو اليمن لا سيما واليمن تعيش حالة من الانقسام لم يشهد مثلها التاريخ من قبل في ظل ضعف واضح للحكومة الشرعية وعدم قدرتها على اتخاذ القرار أو السيطرة حتى على المحافظات المحررة فالانتقالي يسيطر على عدن وعدد من المحافظات وقوات طارق صالح تسيطر على الساحل الغربي وكلا الطرفين ممولين من قبل الإمارات ويتبعانها وهذا ما يشكل خطرا كبيرا في التواجد الإسرائيلي في اليمن .
ولم تكن الأطماع الاسرائيل في المياه اليمنية حديثة العهد بل تعود لستينيات القرن ولا سيما في فترة السبعينات ولا سيما في الفترة التي سبقت حرب أكتوبر 1973م مع مصر لكن الانقسام العربي والأجندات التي تنفذها بعض الأنظمة العربية حتى اليوم هي ما تعكر صفو الوقوف في وجه الأطماع الإسرائيلية والحد منها .
فعلى سبيل المثال في ” مؤتمر تعز 1977م ” والذي دعا إليه الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي ضم عدداً من رؤساءِ الدول المطلة على البحر الأَحْمَر، حيث استجابت بعضُ الدول للدعوة اليمنية وأُخْـرَى تحفّظت وكان من أبرز المشاركين (شطرا اليمن – الصومال – السودان) ظهر جليا غياب مصر والسعودية وأثيوبيا عن المؤتمر والذي كان ثمن عقده اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي من قبل قوى خارجية وبمساعدة أيادي في الداخل كان في مقدمتها إسرائيل والسعودية في أكتوبر عام 1977م أي بعد سبعة أشهر من عقد مؤتمر تعز .
ولعل ما عجل في قضية اغتيال الرئيس اليمني إبراهيم الحمدي دعوته قبل أسبوعين فقط من اغتياله إلى إنشاء قاعدة عسكرية للدول العربية لحماية أمن البحر الأحمر، لا سيما من المطامع الإسرائيلية والتي برزت في مرحلة السبعينات، حيث لعبت اليمن دورًا في انتصار أكتوبر 1973 بإغلاقها مضيق باب المندب وهو ما جعل إسرائيل تتحرك إلى منطقة جنوب البحر الأحمر بحجة تأمين انتقال السفن الإسرائيلية، ليتوسع نشاطها في المنطقة إضافة إلى نشاطها مع أثيوبيا التي تتمتع بعلاقة استراتيجية معها ويشكل تهديدا لمصالح الدول العربية وعلى رأسها اليمن.
وها هي الأيام تعود من جديد بعد 44 عام على اغتيال الرئيس الحمدي وتحركه للحد من الأطماع الاستعمارية لتل أبيب في البحر الأحمر تعود للواجهة المطامع الإسرائيلية وبذات الحجة وإن اختلف المسمى فبالأمس كانت حربها مع الدول العربية ذريعة للتمدد في مياه البحر الأحمر واليوم يتغير المسمى وتصبح إيران الواجهة الدعائية لتل أبيب للسير نحو تحقيق مطامعها السابقة .
ويعود التواجد الإسرائيلي في باب المندب إلى ستينيات القرن الماضي، وتحديداً عندما قررت بريطانيا، وعلى وقع ضربات المقاومة وتوسع حجم العمليات الفدائية، الرحيل من عدن ومن المحافظات الجنوبية.
قبل ذلك، كانت إسرائيل قد نسجت خيوط العلاقة مع دولة إثيوبيا، واستفادت منها في إيجاد موطئ قدم لها في منطقة جنوب البحر الأحمر، عبر استئجار جزر إثيوبية (قبل استقلال إرتيريا بعقود)، أعقبته محاولات التمدد والتوسع للسيطرة على مضيق باب المندب.
فقد جاء على لسان وزير الخارجية الإسرائيلي، في 29 يونيو 1966م، القول: إذا سقطت جزيرة بريم (ميون) في أيد غير صديقة، فقد ينجم موقف خطير كما حدث في خليج العقبة وعلى نطاق أخطر، مطالباً بريطانيا بعدم الإنسحاب من الجزيرة والاحتفاظ بها حتى وضعها تحت الإدارة الدولية.
وتحركت اليمن وقتها لدى الجامعة العربية، مطالبةً بموقف عربي حازم وموحد تجاه ما توارد من معلومات بشأن التواجد العسكري الإسرائيلي في منطقة جنوب البحر الأحمر، بل والتلويح باحتلال جزر يمنية، إلا أن الدول العربية كانت تعيش مرحلة ما بعد نكسة حزيران 1967م، ولم تجد التحركات اليمنية أي تفاعل من قبل الدول العربية.
حينها، كانت إسرائيل قد استكملت تواجدها العسكري في جزر إثيوبية (على الضفة الغربية من جنوب البحر الأحمر)، وكانت التقارير الاستخبارية قد وصلت عدداً من الدول العربية حول ذلك التواجد، وقامت بعض الدول كالسودان بنقل تلك المعلومات إلى الجامعة العربية.
وتلقت الأمانة العامة للجامعة العربية، في تاريخ 20 يونيو 1970، رسالة من حكومة “اليمن الديمقراطية الشعبية”، تتضمن معلومات عن النشاط الإسرائيلي الإثيوبي جنوب البحر الأحمر، وعلى إثر الرسالة كلفت الجامعة العربية لجنة برئاسة سورية للوقوف على طبيعة النشاط الإسرائيلي، غير أن اللجنة لم تقم بأي شيء يذكر، وما هي إلا أشهر حتى تقدمت دولة السودان بتقارير بناء على معلومات استخبارية تؤكد ما ورد في التقارير اليمنية.
إثر التحرك الرسمي اليمني إزاء الخطر الإسرائيلي على منطقة باب المندب والجزر اليمنية بدعم وتسهيل إثيوبيَين وتواطؤ أمريكي (1970م)، بدأت الدول العربية، ومنها مصر وسوريا، بتدارس التقارير الواردة إلى الجامعة العربية، غير أنها لم تحرك ساكناً رغم تشكيل لجنة برئاسة سورية لمتابعة الوضع في باب المندب.
وبينما كانت الدول العربية تعيش وضع ما بعد صدمة حزيران 1967م كان الكيان الصهيوني قد ضاعف من تواجده العسكري جنوب البحر الأحمر مهدداً بذلك حركة الملاحة، لتصبح التحذيرات اليمنية من إحتلال إسرائيلي إثيوبي لبعض الجزر اليمنية أمراً واقعاً، وذلك بقيام وحدة عسكرية إسرائيلية من القوات الخاصة بالتواجد العسكري في جزيرة يمنية.
قبلها كانت إسرائيل قد تمكنت من تأسيس أول قاعدة عسكرية لها في جزر إثيوبية (قبل استقلال إرتيريا)، وتحديداً في جزر حالب وديمرا، وسجلت التقارير العربية وقتها نوعية ومستوى القوة العسكرية الصهيونية الأمريكية جنوب البحر الأحمر.
وأكدت التقارير السودانية المرفوعة للجامعة العربية أن أجهزة للرصد، منها رادارات حديثة، قد تمكنت إسرائيل من تركيبها في جزيرة مؤجرة لتل أبيب تدعى هيليب، وفيها خبراء عسكريون ومهندسون ومحطة لاسلكي وإذاعة.
وقامت أول بعثة عسكرية إسرائيلية بزيارة جزر إثيوبية جنوب البحر الأحمر وقريبة من باب المندب في إبريل/ نيسان 1970م، إضافة إلى الإطلاع على المنشآت العسكرية الإسرائيلية وتقييمها في إطار دراستها للمنطقة الجنوبية للبحر الأحمر بشكل كامل.
وكان من أهم توصيات البعثة التي قامت بالإطلاع أيضاً على ممرات الملاحة في باب المندب والتي تقع أغلبها في الجانب اليمني (المياه الإقليمية اليمنية) ضرورة توسيع التواجد العسكري الإسرائيلي ليشمل الجزر اليمنية (جزيرة زقر، جزيرة جبل الطير، جزيرة حنيش، جزيرة ميون).
والملاحظ أن الجزر المذكورة في توصيات البعثة الإسرائيلية أغلبها جزر ذات موقع استراتيجي وتشرف على 3 من خطوط الملاحة باتجاه باب المندب، علاوة على إشراف جزيرة ميون على المضيق بأكمله.
وفي المقابل نجد اليوم بأن الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا لم تعد تملك زمام المبادرة واتخاذ القرار في أي قرارات مهما كانت بسيطة ليظل التهديد الإسرائيلي خطرا قائما لا بد من التصدي له والحد منه من خلال إدراك اليمنيين أهمية تلك المواجهة المصيرية مع إسرائيلي في حال قامت تل أبيب بتنفيذ مطامعها الرامية للسيطرة على مياه اليمن وممره المائي بأي حجة أو مبرر .
ولعل الرهان الأبرز سيكون على أحد الأطراف اليمنية في أخذ زمام المواجهة والسير للدفاع عن حرمة المياه اليمنية والتي لم تعد متوفرة في الوقت الراهن سوى في جماعة الحوثي التي لم يمسك بطوق عنقها أي من الأنظمة الخارجية المنبطحة لتل أبيب .
وفي الوقت ذاته ستتكشف الوجوه الزائفة لا سيما من الأدوات التابعة لأبوظبي والرياض وغيرها من الأنظمة التي باتت مطبعة بشكل كامل مع إسرائيل أو من تحت الطاولة وسيكون على اليمنيين أن يوحدوا صفهم لمواجهة الخطر الإسرائيلي مهما كانت التحديات والصعاب وترك الصراعات الداخلية التي لا طائل منها بعد أن تحولت اليمن بؤرة لأطماع الخارج وأعداء الأمة العربية والإسلامية .