قنصل مصر السابق في تل أبيب يتوقع نهاية الحرب على غزة في هذا التوقيت؟

توقّع القنصل العام المصري السابق في تل أبيب رفعت الأنصاري، أن يواجه الجيش الإسرائيلي مقاومة شرسة في العدوان الذي يشنه على قطاع غزة للشهر الثاني على التوالي، دون أن يستطيع تحقيق الأهداف التي أعلنها في بداية الحرب، وهي القضاء على المقاومة الفلسطينية، واستعادة الأسرى المدنيين والعسكريين من قبضتها.

ورأى الأنصاري الذي كان يشغل منصب مساعد وزير الخارجية المصري للإعلام والصحافة، حتى تقاعده في نوفمبر/تشرين الثاني 2009، في حوار خاص مع الجزيرة نت، أن وقف الحرب مرهون بأمور عدة، إما أن تحقق إسرائيل أهدافها في المرحلة الثانية من العملية العسكرية بعد إخفاقها في الجولة الأولى، وإما أن تكبدها المقاومة خسائر بشرية لا تحتملها، أو تغير الولايات المتحدة موقفها، وتؤيد مطالب العالم بإيقاف الحرب.

وأكد الدبلوماسي السابق، أن إسرائيل لا تسعى للسلام ولا لإقامة دولة فلسطينية، وأن مصير المقاومة يعتمد على عوامل عدة في مقدمتها: صمودها وقدرتها على إدارة المعركة، والمناورة من خلال حربها على أرضها، والاعتماد على ضربات نوعية موجعة وقاصمة.

وفي ما يلي نص الحوار مع الجزيرة نت:

لماذا أخفقت الجهود الدبلوماسية والمناشدات الدولية في تحويل الهدنة المؤقتة إلى وقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة؟
إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة الأميركية لا تريد أي وقف لإطلاق النار حتى تحقق أهدافها في تحرير جميع الأسرى والقضاء على حماس وقاداتها، ولم يكن الهدف من الهدنة الوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار؛ بل كانت من أجل تحرير أكبر عدد من الأسرى لدى المقاومة، ولذلك استمرت 7 أيام بعد تمديدها أكثر من مرة، وكان من المفترض أن تصل إلى 10 أيام، لكن إسرائيل رفضت.

إسرائيل لا تريد سلاما مع الفلسطينيين ولا ترغب في حل دائم للقضية الفلسطينية وستظل دولة احتلال، ولا زلت عند اعتقادي أن العملية العسكرية الإسرائيلية ممتدة حتى نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول الجاري على أقل تقدير، والضغط على إسرائيل يكون عسكريا عندما تلحق المقاومة خسائر بشرية لا يتحملها المجتمع الإسرائيلي، حينها قد تتوقف الحرب.

أميركا هي من تملك قرار وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب، لكنها على العكس تدعمها بكل قوة وتذكيها بكل أنواع الأسلحة لديها، تستطيع بمكالمة هاتفية أن تنهي كل شيء، ولكن من المبكر أن تفكر في ذلك، إسرائيل وأميركا لا يكترثان بالرأي العام الدولي ولا بالمجتمع الدولي، ولا بأي مناشدات أو جهود دولية من أجل وقف هذه الحرب، وإن شئت الإبادة الجماعية.

هل تحول الدعم المطلق لإسرائيل في بداية عملية الطوفان إلى تنديد واسع، بعد تساقط آلاف الشهداء من المدنيين والأطفال والنساء؟
جزء من الدعم المطلق لإسرائيل لدى أوروبا تحول إلى تنديد واسع، بعد انتشار صور القتل البشري والتدمير الحضاري لكل شيء في قطاع غزة، لكنها لا تزال تحظى بدعم لا سقف له من الولايات المتحدة.

كان هناك اتفاق بين الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي أن تأخذ الحرب مداها ووقتها لتحقيق أهدافها، لكن بدأ عقد هذا الاتفاق في الانفراط في الجزء الخاص بدول الاتحاد الأوروبي، التي بدأت غير قادرة على إصدار إجماع بمعارضتها الخسائر المدنية، ولذلك بدأت الدول فرادى تصدر مثل هذه التصريحات؛ مثل: بلجيكا وإسبانيا.

الرأي العام الدولي له دور كبير في الضغط على الحكومات الغربية، والدول التي لم تتخذ موقفا بضرورة وقف الحرب قد تستجيب لتلك النداءات عندما يصبح ضغط الرأي العام في مجتمعاتها أقوى من قدرة الحكومات على تحمله، عندها سيكون هناك ضغط على إسرائيل.

تعدّ أميركا أن ما حدث في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، هو هزيمة لها ولرجلها في المنطقة، رغم ما أحاطت به إسرائيل من دعم عسكري واستخباراتي منقطع النظير، ولذلك كان هذا اليوم أشبه بلطمة عسكرية على وجهها، وتحاول أن ترد اعتبارها وشرفها العسكري والاستخباراتي.

أميركا لا تكترث لسقوط آلاف المدنيين وتراها خسائر جانبية، وتطلب من إسرائيل أن تتجنب سقوط أي ضحايا مدنيين حتى تستطيع أن تكمل دعمها سياسيا وعسكريا، ولكن الرأي العام المعارض يتطور ويكبر ككرة الثلج شيئا فشيئا.

طالبت أميركا إسرائيل بتجنب سقوط ضحايا مدنيين بشكل أكبر مع بدء المرحلة الثانية من العمليات العسكرية لاحتواء الرأي العام الغاضب، ولكن ما حدث هو العكس، بسبب الاكتظاظ السكاني في المناطق الجنوبية التي بدأت إسرائيل بقصفها، فقد أصبحت مكتظة بثلاثة أمثال سكانها؛ بسبب حالات النزوح، ولذا زاد عدد الضحايا، لكن عندما كان السكان موزعين على كل أراضي قطاع غزة، كانت الأعداد أقل من ذلك.

وهل يعني ذلك تأثر الصورة الذهنية لإسرائيل لدى الغرب؟
بكل تأكيد، لقد تغيرت الصورة الذهنية لإسرائيل وحماس على حد سواء، بخصوص إسرائيل خسرت على الصعيد السي

اسي صورتها النمطية بأنها دولة ديمقراطية تدافع عن نفسها، إلى دولة إجرامية متوحشة تقتل الأطفال والنساء والرجال دون تمييز وتدمر كل شيء.

وعلى الصعيد العسكري، خسرت إسرائيل شرفها عسكريا واستخباراتيا بعد الهزيمة النكراء في يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وسقطت هيبتها العسكرية إلى الأبد، بفضل اجتياح المقاومة ليس لغلاف قطاع غزة فقط، بل لتمكنها من اقتحام والاستيلاء على المقار الأمنية والعسكرية والاستخباراتية، ومصادرة كل ما فيها من أسرار أمنية وعسكرية ومعلومات استخباراتية. أما بخصوص حماس فقد أثبتت للرأي العام الغربي أنها ليست بالوحشية التي كان يروّج لها الإعلام الإسرائيلي، بأنها قطعت رؤوس الأطفال واغتصبت النساء، ولعل مشاهد تبادل الأسرى بين الطرفين أكبر دليل على ذلك، وتحولت إلى قصص ملهمة بين المقاومين والأسرى.

لقد نجحت حماس في خلق صورة ذهنية عن تحضّرها في التعامل مع الأسرى، جلب لها احترام وتقدير الرأي العام الدولي، وتعاملت مع الأسرى وفق القوانين والقواعد الإنسانية، وظهر ذلك جليا في مشاعر الدفء التي حضرت أثناء تسلم وتسليم الأسرى وتوديعهم لمقاومي حماس. أما على الجانب الإسرائيلي، فكان المشهد غير إنساني وعبّر عن انحطاط أخلاقي يرفضه المجتمع الدولي، وحُرم الأسرى المطلق سراحهم في الضفة الغربية من كل حقوقهم، بل واعتدت القوات الإسرائيلية عليهم وعلى ذويهم بالضرب جسديا، ومنعتهم من التعبير عن مشاعرهم الإنسانية.

ما تقييمك لمكاسب وخسائر إسرائيل والمقاومة الفلسطينية عسكريا في الجولة الأولى؟ وما الذي تسعى إسرائيل إلى تحقيقه في الجولة الثانية؟
إسرائيل وعلى مدار نحو شهرين لم تستطع أن تحرر رهينة واحدة من خلال الجولة الأولى من عملياتها العسكرية، وأخفقت في تحقيق أهدافها المعلنة في تحرير الأسرى المدنيين والعسكريين دون أي هدنة مع حماس، وأخفقت بشكل ذريع في القضاء على المقاومة وتصفية قادتها. الجولة العسكرية الثانية أتوقع أن تكون أشد ضراوة وتدميرا، وأكثر عنفا وفتكا من الجولة الأولى؛ لأنها ستحاول تحقيق ما أخفقت فيه في الجولة الأولى، التي استسلمت فيها إسرائيل وأذعنت لشروط حماس، ومن ثم لا تزال تضع أمام عينيها الهدفين السابقين اللذين لم يتحققا، وهما تحرير الأسرى المدنيين والعسكريين، والقضاء على حماس.

كما أن إسرائيل تريد أن تسترد صورتها العسكرية التي أحاطت بها نفسها كأقوى وأذكى جيش في المنطقة، أمام الرأي العام الداخلي أولا قبل الرأي العام الدولي، لذلك هي تضع نصب أعينها الانتقام من يحيي السنوار ومحمد الضيف حتى تعلن انتصارها.

لا شك أن المجازر التي ترتكب بشكل يومي، التي تتمثل في قصف المستشفيات ومنازل المواطنين والمخابز ومحطات المياه والأسواق، هدفه هو إيقاع أكبر عدد من ممكن من الضحايا لأسباب عدة، في مقدمتها: الضغط على قادة حماس والتسليم بأنها لا يمكن أن تغامر بحياة الشعب الغزي أكثر من ذلك، ومن أجل دفع الناس إلى الكفر بالمقاومة، وتحميلها مسؤولية الخراب والدمار والقتل الذي يعيشون فيه.

صمود المقاومة لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية، ولكن هذا يعتمد على اقتصادها في استهلاك مواردها سواء من الطاقة أو من السلاح والذخيرة، وعلى تكتيكاتها العسكرية، وقدرتها على المناورة على الأرض، واستغلال الأرض لصالحها أمام سياسة إسرائيل التدميرية. أما بخصوص حديث الجيش الإسرائيلي أن حماس تتفوّق عليهم في معرفتها للمنطقة، وما زالت تمتلك قدرات معقّدة ليس بجديد، وإقراره بأن الحرب ستكون طويلة ولن تكون محددة بوقت يؤكد تعقيدات الموقف العسكري على الأرض، إسرائيل لم تتوقع في بداية العملية العسكرية أن تمتد الحرب إلى شهرين، كانت تتوقع أن تنتهي من تحقيق أهدافها خلال شهر على الأقل.

الجيش الإسرائيلي ليس من سياسته الاعتراف بهزائمه، سياسته تقول، إنهم يتقدمون حتى لو كان ببطء، وأن خسائرهم أقل من خسائر حماس، وأن لديهم أهدافا وفي سبيل تحقيقها فإن التقدم قد لا يكون كما يرغب الرأي العام الإسرائيلي، وأنهم يتحملون خسائر، ولكن هذه الخسائر تساوي القيمة التي سوف يحصلون عليها عند هزيمة حماس عسكريا وسياسيا.

هل تغامر إسرائيل بحياة عشرات الأسرى الإسرائيليين بتكثيف عمليات القصف الجوي والبري والبحري؟ وهل تعتقد أن استعادة الأسرى العسكريين سيكون على غرار تبادل المدنيين؟
هي بالفعل تغامر بحياة كل الأسرى الموجودين لدى المقاومة، من خلال عملياتها العسكرية الدموية في طول القطاع وعرضه دون هوادة، لكن مسألة استعادة الأسرى العسكريين تختلف تماما عن ما حدث مع الأسرى المدنيين، لأسباب عدة؛ أهمها: أن جزءا كبيرا من هؤلاء ليسوا جنودا أو ضباطا عاديين، إنما من نوعية خاصة ينتمون إلى أجهزة قوية؛ مثل: الشاباك والوحدة 8200 التابعة للاستخبارات العسكرية “أمان”، وثمن هؤلاء باهظ.. كلنا يعلم ماذا حدث في صفقة الجندي الإسرائيلي الأسير السابق جلعاد شاليط قبل سنوات، وكيف أخفقت كل أجهزة الموساد والاستخبارات في الوصول إلى مكان احتجازه لسنوات؛ بسبب ا

لوحدة الخاصة التي أنشاتها حماس لهذا الغرض، واضطرت إسرائيل في نهاية المطاف التفاوض على إطلاق سراحه، ودفعت ثمنا باهظا أعتقد أنها لن تنساه، لذا فإن قضية الأسرى العسكريين أمر مختلف، وهم بالعشرات، ولكن لم تكشف حماس عن عددهم حتى الآن.

كيف ترى موقف مصر ودول الطوق من التهجير؟ هل ترى ثمة صفقة بشأن هذا الملف لا سيما مع التحركات المصرية شمالي سيناء؟
انتقال الحرب إلى جنوب القطاع بزعم أن قادة حماس يختبئون في مدنه، هو ذريعة لنقل الحرب هناك وملاحقة قادة حماس، ولكن -كذلك- من أجل إجبار المدنيين على النزوح جنوبا باتجاه الحدود مع مصر.

هناك مباحثات تحت الطاولة تتم لإقناع دول مثل مصر أن تستجيب “للمأساة الإنسانية”، وهم يتناولون القضية من هذا المنطلق، أنه ليس تهجيرا قسريا إنما مأساة إنسانية، وأن التهجير سيكون بصفة مؤقتة، وربما يرغب سكان قطاع غزة في حياة أفضل. مصر أعلنت موقفها رسميا في جميع اللقاءات والمحافل الدولية وفي بياناتها الرسمية من قضية التهجير، وكررت وأكدت أن تهجير الفلسطينيين وأمنها القومي خط أحمر، وكذلك الأردن وكل الدول العربية أعلنت رفضها القاطع للتهجير القسري.

وإسرائيل اليوم تقول، إنها لا تهدف إلى التهجير القسري، والإدارة الأميركية تعلن صراحة أنها ضد التهجير القسري، والاتحاد الأوروبي يرفض التهجير القسري، ولكن الإعلام شيء والمواقف على الأرض شيء آخر.

هل تعتقد أن بإمكان إسرائيل الخروج منتصرة في حربها؟ وهل تعتقد أنها قادرة على تحقيق أهدافها؟
انتصار إسرائيل في الحرب لا يكون إلا بالقضاء على قادة الحركة، واستعادة الأسرى المدنيين والعسكريين دون مفاوضات أو صفقات جديدة، ولا أحد يستطيع أن يتنبأ بنهاية هذه الحرب الضروس؛ لأن المعطيات على الأرض متغيرة، والقوة وحدها لا تضمن الفوز دائما.

وإذا افترضنا أن إسرائيل استطاعت تحقيق أهدافها وتحرير رهائنها، فإن هذا لا يعني القضاء على المقاومة؛ لأنها ليست حماس وليست الجهاد وليست أي شيء آخر؛ المقاومة هي عقيدة لدى الشعب الفلسطيني، ولا يمكن اقتلاع العقيدة من صدور هذا الشعب، وبعد هذه الحرب سيكون الجميع خاسرا، فالدماء لا تجلب إلا الدماء، ولا يمكن تصور أي مستقبل حقيقي بعد هذه الحرب التي سوف تمتد آثارها لسنوات طويلة.

المصدر : الجزيرة