ابن زايد قاد العملية من الألف لـ”الياء”.. تفاصيل “الليلة الأخيرة” من سقوط البشير تنشر لأول مرة وهذا ما حدث بعدما ذهب للنوم

عمر البشير ومحمد بن زايد وبن راشد

الميدان اليمني – متابعة خاصة

كشفت رويترز تفاصيل جديدة عن الساعات الأخيرة للرئيس السوداني المعزول عمر البشير ولقاءه الأخير مع صلاح قوش رئيس جهاز الأمن والمخابرات في قصر الأول ليلة السقوط، وسبب خلافات البشير وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد ودور الإمارات في الإطاحة به.

وفي تقرير لوكالة رويترز، أمس الأربعاء، حول كيف سقط البشير بعد 30 عاماً في الحكم، قالت نقلاً عن 4 مصادر، حضر أحدها لقاء البشير وقوش، إن الثاني أبلغ الرئيس، أن اعتصام المحتجين خارج مقر وزارة الدفاع القريب من القصر سيتم احتواؤه أو سحقه.

ودخل البشير فراشه لينام مرتاح البال. وعندما استيقظ بعد 4 ساعات أدرك أن قوش خانه. كان حراس القصر قد اختفوا وحل محلهم جنود من الجيش النظامي.

وقال أحد أفراد الدائرة المقربة من البشير الذي تحدث مع الرئيس السوداني في تلك الساعات الأخيرة في تصريح لرويترز إن الرئيس ذهب لأداء الصلاة و”كان ضباط الجيش في انتظاره عندما أتم صلاته”، حيث أبلغ الضباط البشير أن اللجنة الأمنية العليا المؤلفة من وزير الدفاع وقادة الجيش والمخابرات والشرطة قررت عزله بعد أن خلصت إلى أنه فقد السيطرة على البلاد.

وتم نقل البشير إلى سجن كوبر بالخرطوم الذي سبق أن زج فيه بالآلاف من خصومه السياسيين خلال فترة حكمه ولا يزال فيه حتى الآن.

وتوضح رويترز أنها أجرت مقابلات مع أكثر من 10 مصادر مطلعة إطلاعاً مباشراً على الأحداث التي أدت إلى الانقلاب لرسم صورة لكيفية فقدان البشير قبضته على السلطة في نهاية الأمر.

وأبدت استغرابها من سقوط البشير، قائلة: “بسلاسة لافتة للنظر تحقق الانقلاب على رجل تغلب على حركات تمرد ومحاولات انقلاب وبقي رئيساً رغم العقوبات الأمريكية وتفادي القبض عليه بأمر من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب إبادة جماعية وجرائم حرب في إقليم دارفور”.

ورسمت تلك المصادر، التي كان من بينها وزير سابق وعضو في الدائرة المقربة من البشير وأحد مدبري الانقلاب، صورة لزعيم برع في التلاعب بفئات متنافسة من الإسلاميين والعسكريين في السودان لكن عزلته كانت تتزايد في الشرق الأوسط سريع التغير.

وقالت رويترز: كشفت المصادر كيف أساء البشير إدارة “العلاقة المهمة” مع الإمارات. فقد سبق أن ضخت الإمارات مليارات الدولارات في خزائن السودان.

وأشارت إلى أن البشير كان قد خدم مصالح الإمارات في اليمن حيث تخوض الإمارات والسعودية حرباً بالوكالة على إيران. إلا أنه في نهاية 2018 ومع تفاقم الوضع الاقتصادي في السودان خرج المحتجون إلى الشوارع واكتشف البشير أن هذا “الصديق القوي والثري ليس بجانبه”.

وروت المصادر كيف أن قوش اتصل بمسجونين سياسيين وجماعات معارضة سعياً للحصول على تأييدها في الأسابيع التي سبقت عزل البشير.

وقالت المصادر إن قوش أجرى في الأيام التي سبقت الانقلاب مكالمة واحدة على الأقل مع مسؤولين في المخابرات الإماراتية لإخطارهم مسبقاً بالحدث المرتقب.

* خيانة

وتصف رويترز العلاقة بين البشير والإمارات بأنها كانت “لا تزال دافئة” عندما زار الرئيس السوداني ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد في فبراير 2017، لافتة إلى أن حوالي 14 ألف جندي سوداني يقاتلون في اليمن تحت راية تحالف عسكري بقيادة السعودية والإمارات.

وقال مصدر رفيع في الحكومة السودانية أطلعه البشير على ما دار في اللقاء بينهما إن وبن زايد كان يأمل تعاون البشير الآن في موضوع آخر يتمثل في التضييق على الإسلاميين.

وكانت الإمارات تقود مساعي إقليمية للتصدي للإسلام السياسي الذي تعتبره هي والسعودية تهديداً مباشراً للحكم الملكي وللمنطقة.

واكتسبت تلك المساعي أهمية أكبر اعتباراً من العام 2011 عندما اجتاحت انتفاضات الربيع العربي الشرق الأوسط. فقد كانت جماعة الإخوان المسلمين تزداد قوة..

وفي العام 2012 انتخب المصريون مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي ليصبح أول رئيس إسلامي للبلاد. وبعد عام واحد أطاح به الجيش في خطوة حازت رضا الإمارات والسعودية.

وفي السودان كان نفوذ التيار الإسلامي أكثر رسوخاً منه في مصر ويمتد لعشرات السنين. فقد استولى البشير على السلطة في 1989 وأصبح رئيسا ًلمجلس عسكري من الإسلاميين. وأصبح الإسلاميون يسيطرون على المؤسسة العسكرية وأجهزة المخابرات والوزارات الرئيسية.

ويقول المسؤول الحكومي الكبير إن البشير وبن زايد توصلا إلى “تفاهم” يقضي بأن يتخلص البشير من الإسلاميين مقابل دعم مالي تقدمه الإمارات. ولم يذكر البشير كيف ينوي تحقيق ذلك.

وفي تصريحات أذيعت تلفزيونياً خلال اللقاء وجّه محمد بن زايد الشكر للبشير على إرسال قواته لدعم الإمارات والسعودية في اليمن.

وتقول رويترز إن مليارات الدولارات تدفقت من الإمارات على السودان بعد محادثات أبوظبي. وذكرت وكالة أنباء الإمارات أن الإمارات حولت للسودان في مارس 2018 ما قيمته 7.6 مليار دولار في صورة دعم للبنك المركزي السوداني واستثمارات خاصة واستثمارات عبر صندوق أبوظبي للتنمية.

وتم تكليف واحد من أوثق مساعدي البشير وهو مدير مكتبه طه عثمان الحسين ضابط المخابرات السابق، بتولي أمر علاقات السودان مع الإمارات والسعودية.. غير أن نفوذ طه أثار استياء وزراء في الحكومة اشتكوا من عجزهم عن الاتصال بالبشير إلا عبر الحسين وأنه يتحكم فعلياً في السياسة الخارجية.

وفي إحدى المناسبات أصدر إعلاناً مهماً يتعلق بالسياسة الخارجية لوكالة الأنباء السودانية ووكالة الأنباء السعودية بالالتفاف على وزارة الخارجية.

وقالت قمر هباني أمينة شؤون المرأة بحزب المؤتمر الوطني السوداني الذي كان البشير يتزعمه “كان هو الرجل صاحب القبضة السحرية على عقل البشير”.

واتهم الخصوم بمن فيهم رئيس المخابرات حينذاك وساسة كبار الحسين علناً بالتجسس لحساب السعودية. وقالت المخابرات السودانية إن السعودية والإمارات أودعتا 109 ملايين دولار في حساب مصرفي للحسين في دبي.

وقال المسؤول الحكومي السابق إن البشير عزل في النهاية الحسين في يونيو 2017 عندما اتضح أنه حصل على الجنسية السعودية. وانتقل الحسين إلى الرياض وأصبح مستشاراً للسعودية والإمارات ولا يزال يشغل هذا المنصب ويتنقل بين البلدين.

وقالت هباني “موضوع طه (الحسين) ترك ندبة كبيرة على البشير”. كما كان عزله لطمة للإمارات.

وقال 3 مسؤولين سودانيين إن الإمارات أوقفت في ديسمبر 2018 إمدادات الوقود للسودان لاستيائها من عدم تنفيذ البشير لالتزاماته في الاتفاق الخاص بالتخلص من الإسلاميين.

وقالت هباني “الإمارات والسعودية قررتا عدم دعم البشير مالياً لأنه رفض التخلص من الإسلاميين ولم يذعن للضغوط لدعم السعودية والإمارات في مواجهة قطر” خلال الأزمة الخليجية. وأضافت “لم تقبلا رفض السودان الانحياز لطرف”.

وتضيف رويترز: في فبراير 2019 بدا وكأن البشير يخطو نحو مصيره المحتوم في اجتماع مع مجلس الشورى السوداني المؤلف من كبار القيادات في البلاد. وكانت الاحتجاجات تنتشر في البلاد على ارتفاع أسعار الخبز. وأعلن البشير انتماءه للحركة الإسلامية وافتخاره بذلك.

وقال المسؤول الحكومي الكبير إن هذه كانت نقطة اللاعودة. كان من الواضح أن البشير لن ينقلب على الإسلاميين.

* مؤامرة

وخلف الكواليس كانت مؤامرة عزل البشير تتبلور. فقد روى أحد قيادات المعارضة ممن كان ضمن السجناء السياسيين في سجن كوبر المحبوس فيه البشير الآن في الخرطوم كيف ظهر رئيس المخابرات قوش فجأة في السجن في أوائل شهر يناير 2019 والتقى بثمانية من شخصيات المعارضة.

وأبلغ قوش السجناء أنه جاء من أبوظبي بوعد من الإمارات لتقديم الوقود ومساعدات اقتصادية أخرى.

وطلب من السجناء تأييد خطة عامة من أجل نظام سياسي جديد في السودان. وأكد مصدر وثيق الصلة بقوش هذا الحوار.

وعاد قوش إلى السجن بعد عشرة أيام. وفي تلك المرة زار 26 زنزانة يشغلها سجناء سياسيين.

وقال القيادي المعارض الذي أطلق سراحه الآن هو والآخرون “وجدنا الأمر في غاية الغرابة أن يزور رئيس المخابرات السجناء السياسيين. لكن عندما وقع الانقلاب أدركت السبب”.

ويقول دبلوماسي غربي كبير في الخرطوم وعضو الدائرة المقربة من البشير والمصدر وثيق الصلة بقوش إن الإمارات وقوش اقترحا في منتصف فبراير مخرجاً كريماً للرئيس. وكانت تلك الخطة تقضي بأن يظل البشير في السلطة لفترة انتقالية تعقبها انتخابات.

وأعلن قوش في مؤتمر صحفي في 22 فبراير أن البشير سيتنحى عن رئاسة حزب المؤتمر الوطني ولن يسعى لإعادة انتخابه في 2020. إلا أن البشير لم يذكر شيئا في خطاب بثه التلفزيون بعد ذلك بقليل عن الاستقالة من رئاسة الحزب وقال لأعضاء الحزب في اليوم نفسه إن قوش بالغ في الأمر.

وبدأت الخطوات المناهضة للبشير تتسارع. وقال أحد قادة المتمردين ومصدر لعب دوراً كوسيط بين الجانبين إن الإمارات أجرت اتصالات بأحزاب المعارضة السودانية والجماعات المتمردة التي شنت حرباً على البشير وذلك لبحث “الوضع السياسي في السودان بعد البشير”.

وعندما نظم المحتجون اعتصاما خارج وزارة الدفاع على مسافة غير بعيدة عن مقر البشير في 6 أبريل لم يفعل جهاز الأمن والمخابرات بقيادة قوش شيئاً لمنعهم.

وقالت هباني “عندها أدركنا أن الجيش سيستولي على السلطة”.

وتواصل قوش مع كبار المسؤولين بمن فيهم وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش وقائد الشرطة. واتفقوا على أن الوقت حان لإنهاء حكم البشير. وقال مصدر على صلة وثيقة بقوش إن كل واحد منهم كان يدرك أن “البشير انتهى”.

وأكد متحدث باسم المجلس العسكري الانتقالي الذي يحكم السودان الآن أن قوش لعب دوراً رئيسياً.

وكان الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي (وهو اللقب الذي أطلقته عليه جدته)” قائد قوات الدعم السريع، حليف البشير القديم آخر من شاركوا في المؤامرة..

وحُسم مصير البشير وفي الساعات الأولى من صباح 11 أبريل تم عزله من السلطة. وبعد بضعة أيام سافر الحسين، رجل البشير في إدارة العلاقات مع الإمارات والسعودية، إلى السودان ضمن وفد من السعودية والإمارات والتقى بحكام السودان الجدد العسكريين.

وفي 21 أبريل أعلنت الإمارات والسعودية أنهما ستقدمان مساعدات للسودان قيمتها ثلاثة مليارات دولار. وقال حميدتي فيما بعد إن القوات السودانية ستبقى في اليمن.

وفي الوقت نفسه تقريباً كانت جماعات من المعارضة والمتمردين تلتقي بمسؤولين من الإمارات في أبوظبي.

وتقول رويترز إن أحمد تقد المسؤول الكبير بحركة العدالة والمساواة المتمردة في دارفور كان ممن حضروا تلك المحادثات..

وقال تقد والمصدر الذي تولى ترتيب الاتصال إن منصور بن زايد آل نهيان مالك نادي مانشستر سيتي وأحد أفراد الأسرة الحاكمة في أبوظبي أشرف على الاتصالات بين الإمارات وجماعات المعارضة.

واستقال قوش من منصبه في المجلس العسكري الانتقالي في 13 أبريل. وكان رئيس جهاز الأمن والمخابرات قد تعرض لانتقادات حادة من المحتجين كما تعرض لضغوط هائلة للتنحي عن منصبه. ويكتنف الغموض مكان وجود قوش غير أن قوات أمن تنتشر حول بيته في الخرطوم.

وفي 3 يونيو سحق جنود حميدتي اعتصام المحتجين خارج وزارة الدفاع وفتحوا النار على المعتصمين.

ثم شرع الجنود في إزالة اللافتات والرايات التي كتبت عليها شعارات تقول إن المحتجين لا يريدون أن يصبح السودان مثل مصر وتطالب السعودية والامارات بالكف عن التدخل في السودان، بحسب رويترز.

شارك هذا الخبر

شاهد أيضاً

رؤساء بنوك الكريمي والتضامن والتجاري وغيرها يكشفون حقيقة صادمة بشأن نقل البنوك لمقراتها الى عدن

رؤساء بنوك الكريمي والتضامن والتجاري وغيرها يكشفون حقيقة صادمة بشأن نقل البنوك لمقراتها الى عدن …