الدراما التركية تصل إلى العالمية والمصرية تتراجع

مثل قطيعٍ تائهٍ في صحراء قاحلة لا فيها ماء ولا زرع، تبدو صناعة الدراما المصرية، التي انهارت عقب الانقلاب الدموي في 30 يونيو 2013، بعدما التفَّت عليها المخابرات العامة كما يلتف ثعبان الكوبرا حول رقبة فريسته، بينما تمكّنت المسلسلات التركية من الوصول إلى العالمية، وتحقيق أداء أسرع وكفاءة أعلى من نظيراتها المنتجة ضمن مركز صناعة السينما الأمريكية في هوليوود.

وتتحكم في الدراما المصرية حاليا وصناعة السينما شركة “سينرجي للإنتاج الفني”، التابعة لمجموعة “إعلام المصريين”، التي استحوذت عليها شركة “إيجل كابيتال للاستثمارات المالية”، وهي صندوق استثمار مباشر مملوك لجهاز المخابرات العامة المصرية، وتهيمن على سوق المؤلفين وكاتب السيناريو، ممن يكتبون الأعمال الدرامية والسينمائية، ولا يسمح بالعمل في السوق إلا للمتعاقدين فقط مع المخابرات.

أذرع المخابرات

وحول تحكم العسكر في سوق الانتاج والدراما، قال المنتج جمال العدل: إن كل الفنانين المشاركين في الموسم الرمضاني القادم وافقوا على تخفيض أجورهم. وأوضح خلال لقائه الإعلامي عمرو أديب، أحد أذرع المخابرات في برنامج “الحكاية”، أن شركات الإنتاج خفّضت أجور الفنانين والمخرجين وكتاب السيناريو في العام الماضي بنسبة تصل إلى 40%.

وأعلن العدل، رئيس شركة العدل جروب مالتي ميديا، عن أن العام الدارمي الماضي هو أول عام لا تحدث فيه خسارة لمسلسلات رمضان، وذلك بعد خسارة وصلت إلى 3 مليارات جنيه و”شوية”، تكبدتها القنوات الفضائية فى رمضان 2018، بعد وضع إطار موحد للإنتاج عبر شركة إعلام المصريين.

تصريحات العدل لم تخرج عن الإطار الذي رسمه اللواء عباس كامل، الذي يحرص على حضور اجتماعات المخابرات مع شركات الانتاج، ويملي أوامره بضرورة تقليل نفقات الإنتاج، والتركيز على مدح وتقديس انقلاب السفيه السيسي، وعدم تقديم العشوائيات في الدراما، أو رصد فضائح الضباط سواء ضباط الجيش أو الشرطة.

وتحتكر الشركة المملوكة للاستخبارات سوق الإنتاج التلفزيوني حاليا بعدما اضطرت معظم شركات الإنتاج الفني الأخرى إلى الخروج من السوق، وعلى رأسها شركة “العدل غروب”، بعد أن اتخذت مجموعة “إعلام المصريين” عدة إجراءات في رمضان الماضي، ومنها منع عرض مسلسلات لشركات أخرى على شاشاتها في شهر رمضان الماضي وتأجيلها إلى موسم آخر.

هنا تركيا

وعلى النقيض من أوامر عباس وتصريحات العدل، قال سردار أوكرديجي، أحد منتجي مسلسل “عاصمة عبد الحميد” (Payitaht Abdülhamid) ، إن الأفلام والمسلسلات التركية حققت أداء أسرع وكفاءة أعلى من نظيراتها في هوليوود.

وأضاف أوكرديجي، أن شركة الإنتاج المشرفة على مسلسل “فيلينتا مصطفى ” (Filinta)، تمكنت من إنتاج الحلقة الواحدة التي تستمر 130 ـ 140 دقيقة، خلال 6 إلى 7 أيام.

وأشار إلى أن إنتاج الحلقة خلال المدة المذكورة، يعتبر مفاجأة كبيرة بالنسبة إلى منتجي هوليوود، الذين يستغرقون عدة أشهر في بعض الأحيان لإنتاج حلقة واحدة.

ولفت أوكرديجي إلى أن قطاع إنتاج المسلسلات التركية بات يمتلك أداء ممتازا، مكنه من الوصول إلى العالمية.

وقال: إن مسلسل “عاصمة عبد الحميد” الذي عُرضت حلقته الـ95، ويتناول حياة السلطان عبد الحميد الثاني، أحد آخر سلاطين الدولة العثمانية، نال إعجاب المتابعين في بلدان مختلفة.

وأشار إلى أنه لقي اهتمامًا كبيرًا ومتابعة مستمرة من قبل عشاق المسلسلات التركية في العالم عموما، ومنطقة البلقان والجمهوريات التركية والشرق الأوسط بشكل خاص.

وذكر أوكرديجي أن “عاصمة عبد الحميد” نجح في احتلال موقع مرموق ضمن قائمة المسلسلات الأكثر مشاهدة، وأن اهتمام الجمهور به شجع المنتجين والممثلين على مواصلة العمل بكفاءة وأداء عاليين.

وأضاف أن السلطان عبد الحميد الثاني، كان أحد أكثر السلاطين الذين كُتب عنهم، كما أن عهده كان حافلا بالوثائق التي تكشف تفاصيل ذلك العصر المليء بالأحداث الدراماتيكية.

وأردف: لقد عمد الأوروبيون إلى وصف عبد الحميد الثاني بـ“السلطان الأحمر”، لكن الوثائق التاريخية تظهر النقيض تماما، بأن ذلك العصر كان زاخرا بالعمل المضني من أجل النهوض بالدولة وحمايتها من الأخطار المحدقة بها من كل صوب.

السلطان عبد الحميد

ولفت أوكرديجي إلى أن العمل في المسلسل جرى بالتعاون مع مستشارين في التاريخ، والتحقق أيضا من دقة القصص التي سيتم سردها في الحلقات.

واعتبر أن العمل بالنتيجة ليس عبارة عن مسلسل وثائقي، بل يحتوي حبكات درامية لجذب اهتمام المشاهدين، لكن دون ارتكاب أخطاء تاريخية.

كما أشاد بالممثل بُلند إينال، الذي جسد شخصية السلطان عبد الحميد، قائلا إنه أدى الدور بكفاءة عالية، ما دفع بعض المواطنين إلى محاولة تقبيل يده عند لقائه ظنا منهم أنه السلطان عبد الحميد.

وأشار أوكرديجي إلى أن المسلسل حقق نسبة متابعة جيدة للغاية في دول أوروبا الشرقية، وداخل تركيا أيضا، ما شجع فرق العمل على الاستمرار بمعنويات عالية.

وتابع أن مسيرة المسلسلات التاريخية التركية التي بدأت مع مسلسل “القرن العظيم”، شهدت زخما قويا مع “عاصمة عبد الحميد” و”فيلينتا مصطفى” و”قيامة أرطغرل”، وتفاعل الجمهور بشكل إيجابي معها، ما دفع بتلك المسيرة قدما نحو الأمام.

واعتبر أوكرديجي أن نيل مسلسلٍ ما رضا المشاهد التركي، يفتح الطريق أمام هذا المسلسل للوصول إلى الأسواق العالمية والمشاهدة في الخارج.

وشدد على أن قطاع إنتاج المسلسلات في تركيا يمتلك الخبرات والقدرات اللازمة لتحقيق جودة عالية المستوى.

وفي وقت سابق، قال الرئيس رجب طيب أردوغان، إن المسلسلات التركية باتت تحظى بمشاهدة 500 مليون شخص في 156 دولة.

وأشار أردوغان إلى أن هذا الإنجاز تحقق بفضل الدعم الذي قدّمه حزب العدالة والتنمية لهذا القطاع منذ مجيئه إلى السلطة.

وأعرب عن شكره للفنانين والرياضيين حيال المساهمات التي يقومون بها من أجل رفع شأن تركيا، وأكد أهمية الثقافة والفن والرياضة باعتبارها قيمة مشتركة بالنسبة إلى جميع الأمم.

ولفت أردوغان إلى أن حكومة حزب العدالة والتنمية زادت الدعم للأنشطة الثقافية في البلاد 50 ضعفا مقارنة بعام 2002، وأضاف أن تركيا تحولت إلى ماركة عالمية في مجال المسلسلات، التي تحظى حاليا بمشاهدة 500 مليون شخص في 156 دولة.

وأوضح أن تركيا صارت في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في قطاع إنتاج المسلسلات، تجدر الإشارة إلى أن المسلسلات التركية حققت نجاحا ملحوظا، خلال السنوات العشر الأخيرة، على شاشات 156 دولة، بحجم تصدير بلغ قرابة 500 مليون دولار.