الميدان اليمني – تقرير الموقع بوست
تُعد جبهة صرواح من أبرز وأهم جبهات القتال بين الحكومة الشرعية والمليشيات الحوثية، وذلك لما تمثله هذه الجبهة من أهمية إستراتيجية في تحديد سير المعركة على المستوى العسكري والسياسي على حد سواء.
فبالنسبة للحكومة الشرعية تكمن أهمية صرواح لديها بأنها آخر مكان يتواجد فيه الحوثيون بمحافظة مأرب، وأحد البوابات الرئيسية الهامة للعاصمة صنعاء، بينما المليشيات الحوثية تعتبر صرواح بالنسبة لها آخر موطئ لتواجدها في محافظة مأرب، وأيسر الطرق لديها للانقضاض على عاصمة المحافظة، التي تعتبر أيقونة النضال ورمزية المقاومة بالنسبة لليمنيين، والتي سبق أن تحطمت آمال المليشيات الحوثية على أسوار هذه المدينة في نهاية العام 2015، بعد أن حاولوا إسقاطها ووصلوا إلى أطرافها، واستمرات المعارك هناك أكثر من خمسة أشهر، واستطاعت المدينة الصمود في وجه هجماتهم الشرسة عليها، وفي الوقت نفسه كونت المدينة نواة الجيش الوطني الذي أطلق عملية عسكرية بدعم وإسناد من تحالف دعم الشرعية بتاريخ 8 سبتمبر 2015، وأفضت هذه المعركة إلى إبعاد المليشيات الحوثية إلى آخر مكان من مديرية صرواح، والتي استقرت فيها المعارك هناك حتى اللحظة.
تجاوز الخطوط الحمراء
قادت المنطقة العسكرية الثالثة بقيادة اللواء الركن عبد الرب الشدادي معركة تحرير محافظة مأرب في مطلع شهر سبتمبر 2015، وشارك فيها التحالف العربي بفعالية، من خلال الدعم اللوجستي والغطاء الجوي، وسرعان ما انهارت صفوف المليشيات الحوثية أمام هذا الهجوم، وحقق الجيش الوطني تقدما سريعًا أربك المليشيات الحوثية، وأفقدها السيطرة على التحكم في ميدان المعركة، وأصبحت عناصرها تلوذ بالفرار في ظل تقدم مستمر للجيش الوطني، وتحريره لمناطق متعددة بين مدينة مأرب ومدينة صرواح بمسافة تُقدر تقدر بـ30 كيلومترا، في معركة قياسية استغرقت أقل من 48 ساعة منذ بدأ الهجوم من أطراف مأرب، وحتى دخول الجيش الوطني مدينة صرواح.
لكن ما إن وصل الجيش الوطني إلى مدينة صرواح إلا والرفض توالى من قبل قيادة القوات الإماراتية التي كانت تشرف على المعركة آنذاك، وطلبوا من قيادة المنطقة العسكرية الثالثة الانسحاب إلى التلة الحمراء التي تبعد عن مدينة مأرب قرابة 10 كيلومترات، ووصفوا هذا التقدم بالخاطئ وقالوا إن قوات التحالف العربي لم تخطط للهجوم إلا للتلة الحمراء فقط، معبرين بنبرة تهديد أن أي قوة عسكرية من بعد هذه التلة لا زالت أهدافا مشروعة للطيران، مما اضطر قوات الجيش الوطني للانسحاب من مدينة صرواح إلى خارج السوق، والتمركز بأطرافه باتجاه مدينة مأرب، تحديداً في جبل أدرم وتلة القعود وتلة الزبير وغيرها من المواقع والتلال المحاذية لهذه الجبال، لتتحول بعدها المعركة في صرواح من معركة دحر المليشيات الحوثية واستعادة الشرعية إلى معركة استنزاف لقوات الجيش الوطني وإنهاك الوحدات المشاركة هناك.
محاولات التحرير الأولى
في مطلع أغسطس 2016، استجمعت المنطقة العسكرية قواها، ووضعت خطة تحرير مدينة صرواح، لتستكمل تحرير محافظة مأرب، وكان اللواء الركن عبد الرب الشدادي يقود المعركة بنفسه، مستعيناً برجال المقاومة الشعبية من محافظة مأرب وخولان وجهم وغيرها من المناطق، إلى جانب أفراد المنطقة العسكرية الثالثة، واستطاعت هذه القوة أن تُحقق اختراقاً في صفوف المليشيات الحوثية بالالتفاف على مواقعهم من ميسرة جبهة صرواح باتجاه خولان، وواصلت التقدم حتى سيطرت على جبال المدور وتلة المطار ووادي مور، بمسافة قُدرت بـ15 كيلومترا، تجاوزوا من خلالها مدينة صرواح، وحاصروا بداخلها عناصر المليشيات الحوثية من خلال السيطرة النارية على المدينة وعلى خطوط الإمداد المؤدية إليها من جهة العاصمة صنعاء، وأصبحت المدينة بين كماشة الجيش الوطني من ثلاثة اتجاهات، وأصبح أفراد الجيش الوطني والمقاومة الشعبية قاب قوسين أو أدنى من إعلان التحرير الكامل للمديرية.
دور طيران التحالف
كان تدخل طيران التحالف العربي في هذه المعركة محدودا، وتوالت الأخبار بأن اللواء “الشدادي”، قائد المنطقة العسكرية الثالثة، طلب من الضباط الإماراتيين، كونهم المشرفين على جبهة صرواح في إطار قوات التحالف العربي، بوقف ضربات الطيران، خصوصاً بعد أن توالت الضربات “الخاطئة” لمواقع وتحركات الجيش الوطني، والتي كان آخرها ضرب نقطة تمركز للجيش الوطني في مناطق كان يسيطر عليها منذ فترة سابقة، وبعيدة عن خطوط المواجهة، مستهدفين فيها أحد قيادات الجيش الوطني الذي كان يتواجد في تلك اللحظة هناك، راكناً طقمه العسكري إلى جوار ساتر ترابي، وكان يتناول طعام الغداء مع مرافقيه بجوار ساتر آخر مقابل له، وأدت هذه الضربة إلى إحراق الطقم دون حدوث أي خسائر بشرية.
مفاجآت أربكت سير المعركة
يقول أحد قيادات الجيش الوطني: “كنت أقود أفرادي في معركة تحرير صرواح وكنا في آخر هجوم لنا للسيطرة على وادي الربيعة والنصيب الأحمر في طريقنا لقطع خط الإسفلت الرابط بين مدينة صرواح ومحافظة صنعاء، واستطعنا خلال هذا الهجوم كسر خطوط دفاعات العدو المتمركزة في التلال المطلة على وادي الربيعة، وتقدمنا في الوادي باتجاه خط الإسفلت وسط انهيار كبير للعدو حتى إنه أصبح لا يوجد لديهم أي مقاومة، مما جعلنا نصعد على أطقمنا العسكرية وتوجهنا لقطع خط الإسفلت والتمركز في النصيب الأحمر، الذي لم يبعد عنا سوى أقل من كيلومتر واحد”.
وأضاف: “دخلنا القرية المحاذية لخط الإسفلت وتلال النصيب الأحمر، حينها تفاجأنا بقذائف مدفعية الإسناد الإماراتية تأتي من مقر قوات التحالف الكائن شمال شرق مدينة مأرب، تتساقط على رؤوسنا وعلى مواقعنا المجاورة وعلى تحركاتنا ومؤخرات الإمداد الخلفية التي تبتعد عن الخطوط الأمامية بحوالي كيلومترين، حينها توقفنا عن التقدم وتراجعنا لنتمركز في التلال المطلة على وادي الربيعة، واستمرت تلال النصيب الأحمر ومدينة صرواح خاوية على عروشها أمامنا لساعات لا تحول بيننا وبينها سوى مدفعية التحالف، حتى عاد إليها عناصر المليشيات الحوثية وتمركزوا فيها من جديد، حينها وقفنا تقدم الجيش الوطني من جهة النصيب الأحمر، وقررنا مواصلة الالتفاف من وادي مور للوصول إلى خط الإسفلت وقطع الإمدادات عن المليشيات الحوثية في المدينة القادمة من اتجاه صنعاء”.
محاولات التحرير الثانية
ظل تحرير مدينة صرواح هاجسا يؤرق قيادات الجيش الوطني، وحسرة في نفوسهم، فأعدوا لهجوم آخر لتحرير ما تبقى من هذه المديرية، وكان بتاريخ 15 يناير 2017.
قائد عسكري قال إن خطتهم كانت تهدف إلى السيطرة على تلال النصيب الأحمر، وقطع خط الإسفلت الرابط بين صنعاء ومدينة صرواح، والدخول إلى المدينة.
وكانت نقطة انطلاق الهجوم من جوار تلة المطار المجاورة للنصيب الأحمر، بينما كان يتمركز ضباط وأفراد إماراتيون في أعلى جبل أتياس المطل على المنطقة ويقومون بمهمة الاستطلاع والضرب بالصواريخ الحرارية.
وفي الساعة الثامنة مساءً من تلك الليلة، تجمع أفراد وضباط الجيش الوطني المشاركون في الهجوم في نقطة التجمع للتزود بالمؤمن والذخائر وتلقي التعليمات للانطلاق بعدها إلى بدء الهجوم، لكنهم تفاجؤوا بسقوط قذائف من مدفعية الإسناد التابعة للقوات الإماراتية على رؤوسهم أردتهم بين قتيل وجريح، وبلغ عدد القتلى 54 قتيلا والعديد من الجرحى بينهم العميد يحيى علي حنشل قائد اللواء 312، قائد الهجوم في تلك المعركة، والذي سبق أن نجا من قذائف مماثلة وضربات للطيران وصفت بالخاطئة.
عسكريون قالوا إن مكان التجمع لأفراد الجيش الوطني كان يبعد عن الجبل الذي سيتم الهجوم عليه قرابة كيلومترين باتجاه الجنوب، وقالوا إن القذائف تلك لو كانت ضربت بالخطأ فلن تصل إلى ذلك المكان، ولم يكن سقوطها على ذلك المكان إلا بحرف اتجاه المدافع الإماراتية عن الأهداف المحددة لها باتجاه الجنوب قرابة 1500 متر، وزيادة مسافتها قرابة 2000 متر، وكان عدد القذائف التي سقطت على مكان تجمع الجنود ست قذائف لا يفصل بين كل قذيفة وأخرى سوى مدة زمنية محدودة لا تتجاوز العشر الثواني فقط.
قضت هذه القذائف على هذه المحاولة في مهدها، وتلاها انسحاب الضباط والأفراد الإماراتيين من جبهة صرواح وسحبوا معهم قاعدة الصواريخ الحرارية التي كانوا قد نصبوها في جبل أتياس.
يقول أحد أفراد الجيش الوطني بجبهة صرواح: “لم نستمر أكثر من شهر من سحب القوات الإماراتية لقاعدة الصواريخ الحرارية من جبل أتياس إلا ونفس القاعدة ركبها الحوثيون في الجبل المقابل لنا، جبل الأشقري، ويستهدفون بها خطوط إمداد الجبهة”.
حينها توقف الجيش الوطني عن محاولة تحرير صرواح، واكتفى بالدفاع عن مواقعه التي لا زال متمركزا فيها على أطراف مدينة صرواح حتى الآن.