اقرأ في هذا المقال
- • روسيا وإيران تستكشفان حلولًا تعاونية لدعم قطاعَي الطاقة لديهما، على الرغم من القيود الدولية
- • إيران تخطط لإعادة تصدير الغاز الروسي إلى الدول المجاورة، مثل العراق وتركيا وباكستان
- • مبادرة استيراد الغاز تمثّل تحولًا حاسمًا بسياسة الطاقة الإيرانية، في ظل حكومة بيزيشكيان
- • اتفاقية الغاز مع روسيا لن تمنح إيران استقلالًا كاملًا في مجال الطاقة
في ظل سعي كل من إيران وروسيا للتخفيف من تأثير الضغوط الجيوسياسية المشتركة والعقوبات الأميركية، اكتسبت شراكة الغاز بين البلدين أهمية كبيرة.
تجدر الإشارة إلى أن الدولتين تمتلكان معًا أكبر وثاني أكبر احتياطيات من الغاز في العالم، وتستكشفان حلولًا تعاونية لدعم قطاعي الطاقة لديهما، على الرغم من القيود الدولية.
وبالرغم من توقيع مذكرة تفاهم بقيمة 40 مليار دولار في يوليو/تموز 2022 بين شركة غازبروم الروسية Gazprom وشركة النفط الوطنية الإيرانية (إن آي أوه سي) NIOC لتطوير حقول النفط والغاز لدى طهران، فقد أُحرِز تقدُّم محدود حتى حدثَ تطور ملحوظ في يونيو/حزيران 2024.
في ذلك الوقت، أبرمت الشركتان اتفاقية تسمح لطهران باستيراد ما يصل إلى 300 مليون متر مكعب يوميًا من الغاز الروسي، وهو ما قد يغطي نحو نصف استهلاك إيران اليومي من الغاز.
شراكة الغاز بين إيران وروسيا
برزت أهمية شراكة الغاز بين إيران وروسيا بالنظر إلى العجز اليومي المتوقع في الغاز بمقدار 250 مليون متر مكعب وشتاء أكثر برودة، وأصبحت حاجة طهران إلى واردات إضافية ملحّة.
وبحسب الرئيس التنفيذي لشركة الغاز الوطنية الإيرانية، سعيد توكلي، “ما تزال المناقشات بشأن أحجام الواردات والخدمات اللوجستية مع روسيا جارية”.
في هذا الصدد، سلّط تقرير صادر عن مركز أبحاث برلمان طهران في عام 2022 الضوء على تحديات إمدادات الغاز بفصل الشتاء في إيران، مشيرًا إلى عجز يومي متوسط يبلغ 227 مليون متر مكعب وذروة 315 مليونًا في فبراير/شباط 2023.
ومن المتوقع أن تساعد الشراكة في معالجة هذا العجز، وتخفيف الضغوط على القطاع الصناعي، ومعالجة القضايا الهيكلية المتعلقة بكفاية الاحتياطي، والاعتماد الكبير على الطاقة الكهروحرارية، والبنية التحتية المتقادمة.
وإلى جانب تلبية احتياجات الإمدادات الفورية، يمثّل الاتفاق الذي تبلغ قيمته 10 إلى 12 مليار دولار أميركي لمدة 30 عامًا ميزة اقتصادية إستراتيجية لطهران، مع خطط لإعادة تصدير الغاز إلى الدول المجاورة مثل العراق وتركيا وباكستان.
وبدعم من الاستثمار الروسي في خط أنابيب بحري، يمكن لهذا التعاون أن يعزز البنية الأساسية للطاقة في إيران، ويعزز دورها بصفتها مركزًا إقليميًا للطاقة، ويحقق فوائد اقتصادية كبيرة على الرغم من العقوبات المستمرة.
صفقة الغاز بين إيران وروسيا
توفر صفقة الغاز بين إيران وروسيا مكاسب اقتصادية كبيرة ومتعددة الأوجه لإيران.
ويقدّر وزير النفط السابق، جواد أوجي، أن الصفقة يمكن أن تولّد قيمة تجارية سنوية تتراوح بين 10 و12 مليار دولار، ما يوفر دفعة مالية كبيرة وسط التحديات التي تفرضها العقوبات الدولية.
في المقابل، تضع هذه الاتفاقية طهران لاعبًا رئيس في سوق الطاقة الإقليمية.
وأكد القائم بأعمال الرئيس الإيراني محمد مخبر أن هذه الاتفاقية يمكن أن تفتح “فصلًا جديدًا في العلاقات الإقليمية والدولية”، ما يمكّن طهران من استيراد الغاز من موسكو وإعادة تصديره بربح إلى الدول المجاورة، مثل العراق وتركيا وباكستان.
ويمكن أن يعزز هذا الدور الوسيط النفوذ الجيوسياسي لإيران، ومكانتها بصفتها مركزًا إقليميًا للطاقة.
من جهة ثانية، يمكن للاتفاقية أن تتيح تطوير البنية الأساسية الحيوية، حيث تموّل روسيا بناء خط أنابيب عبر بحر قزوين لتسهيل نقل الغاز.
ويمكن أن تحقق هذه البنية الأساسية فوائد طويلة الأجل لقطاع الطاقة الإيراني، وتوسيع شبكة الغاز المحلية لدعم الاحتياجات الصناعية والسكنية.
إضافة إلى ذلك، يمكن لطهران، من خلال استيراد الغاز الروسي، تحسين أمن الطاقة لديها، وتلبية احتياجات ذروة الطلب الموسمية، وتخصيص المزيد من إنتاجها المحلي للصناعات ذات القيمة المضافة أو لأغراض التصدير.
وقد يعمل التعاون التكنولوجي في هذا الإطار على تحديث صناعة الغاز في إيران، وتعزيز كفاءة الإنتاج والتوزيع.
وتوفر هذه الشراكة لكلا البلدين إستراتيجية للتخفيف من آثار العقوبات الغربية، من خلال إنشاء طرق تجارية بديلة والحدّ من العزلة الاقتصادية.
الدعم المحلي للغاز في إيران
على الرغم من هذه الفوائد، تسلّط الشراكة الضوء على تحديات اقتصادية -مثل الدعم المحلي للغاز في إيران- وسياسية معقّدة تواجه البلاد فيما يتعلق بواردات الغاز الطبيعي والدعم المحلي.
وتاريخيًا، قدّمت طهران الغاز المدعوم بشدة لمواطنيها، ما أدى إلى انخفاض الأسعار المحلية بشكل كبير عن أسعار السوق الدولية.
وإذا استمرت في استيراد الغاز بهذه الأسعار الدولية المرتفعة مع الحفاظ على الأسعار المحلية المدعومة، فقد يفرض ذلك عبئًا ماليًا كبيرًا على الحكومة، على غرار القضايا السابقة المتعلقة بدعم البنزين.
وقد أدى هذا الوضع سابقًا إلى دعوات لإصلاح سياسات الدعم، وهي قضية يمكن أن تؤثّر بشكل مماثل في الغاز الطبيعي إذا ظلت الممارسات الحالية دون تغيير.
إضافة إلى ذلك، يمكن أن تشجع الأسعار المدعومة الإفراط في الاستهلاك، ما قد يؤدي إلى تفاقم انقطاعات الكهرباء بدلًا من تخفيفها واستنزاف الموارد المالية لطهران، بسبب تعويض الفجوة بين تكاليف الاستيراد والأسعار المحلية.
وعلى الرغم من أن بعض الخبراء يحذّرون من الواردات في ظل هذه الظروف، يزعم آخرون -بما في ذلك المسؤولون الحكوميون- أن مثل هذه الواردات ضرورية لمعالجة النقص العاجل.
من ناحيته، ووصف الرئيس التنفيذي لشركة الغاز الوطنية الإيرانية الوضع الحالي بأنه “نقص في الغاز”، مؤكدًا الحاجة الملحّة للواردات.
وربما تحتاج حكومة بيزيشكيان إلى النظر في إستراتيجيات طويلة الأجل، مثل إصلاح برامج الدعم التدريجي أو الاستثمار في الإنتاج المحلي، لتحقيق التوازن بين الطلب الفوري على الطاقة والسياسات الاقتصادية المستدامة.
وعلى الرغم من هذه العقبات، ينظر بعضهم إلى صفقة استيراد الغاز مع روسيا أنها تمثّل مبادرة إستراتيجية لوضع إيران مركزًا إقليميًا للطاقة، الأمر الذي قد يؤدي إلى تحقيق فوائد تمتد إلى ما هو أبعد من احتياجات الإمداد الفورية.
التحديات والفرص
تفرض مبادرة إيران لاستيراد الغاز الروسي العديد من التحديات والفرص في الوقت نفسه.
ويتمثل التحدي الأساس في تطوير البنية الأساسية المهمة المطلوبة، خصوصًا بناء خط أنابيب تحت بحر قزوين، الذي سوف يتطلب استثمارات كبيرة ووقتًا طويلًا.
وتنشأ المخاوف الاقتصادية من الأعباء المالية المحتملة المترتبة على استيراد الغاز بأسعار دولية، مع الحفاظ على الأسعار المحلية المدعومة، مثل تلك التي تواجهها إيران في ظل دعم البنزين الحالي.
تجدر الإشارة إلى أن انخفاض إنتاج الغاز في إيران، خصوصًا من حقل بارس الجنوبي، يثير تساؤلات حول جدوى الاعتماد على الواردات في الأمد البعيد.
إضافة إلى ذلك، فإن العلاقات الوثيقة في مجال الطاقة مع روسيا من شأنها أن تعقد علاقات إيران بالدول الغربية وتؤثّر في المفاوضات الجارية بشأن برنامجها النووي.
ويربط الاتفاق المقترح الذي يمتد لـ30 عامًا بين إستراتيجية إيران في مجال الطاقة وروسيا، وهو ما قد يحدّ من المرونة في اتخاذ القرارات المتعلقة بسياسة الطاقة في المستقبل.
وعلى العكس من ذلك، فإن اتفاقية استيراد الغاز من شأنها أن تخفف إلى حدّ كبير من نقص الغاز المحلي، خصوصًا خلال أشهر الشتاء، مع إمكان استيراد ما يصل إلى 300 مليون متر مكعب من الغاز يوميًا، وهو ما يقرب من نصف إجمالي استهلاك إيران.
ومن شأن هذا الاتفاق أن يضع إيران في موقف يسمح لها بالتحول إلى “مركز للغاز” في المنطقة، ما يأذن لها بإعادة تصدير الغاز الروسي إلى الدول المجاورة بأسعار أعلى.
وتُعدّ المزايا الاقتصادية المترتبة على هذا الاتفاق كبيرة، حيث تشير التقديرات إلى أن التجارة قد تدرّ 10 إلى 12 مليار دولار أميركي سنويًا، وهو ما من شأنه أن يوفر دفعة كبيرة للاقتصاد الإيراني.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الاتفاق من شأنه أن يعزز أمن الطاقة من خلال تنويع مصادر الغاز وضمان إمدادات أكثر استقرارًا مع تعزيز الشراكة الإستراتيجية بين إيران وروسيا.
وقد توفر هذه الشراكة نفوذًا في العلاقات الدولية، وتساعد في التخفيف من آثار العقوبات الغربية، بما في ذلك الاستثمارات الروسية في البنية الأساسية الإيرانية التي قد تؤدي إلى تقدُّم تكنولوجي في قطاع الطاقة.
الخلاصة
تمثل مبادرة استيراد الغاز تحولًا حاسمًا في سياسة الطاقة الإيرانية في ظل حكومة الرئيس بيزيشكيان، مع تحقيق هدفين مزدوجين يتمثلان في تخفيف النقص المحلي بالغاز وترسيخ دور إيران بصفتها لاعبًا مهمًا في سوق الطاقة الإقليمية.
وعلى الرغم من أن الاتفاقية مع روسيا توفر فرصًا للتنمية الاقتصادية وتعزيز أمن الطاقة، فإنها تفرض تحديات كبيرة تتعلق بتنفيذها وجدواها الاقتصادية وتداعياتها الجيوسياسية.
وتثير قضية استيراد الغاز بأسعار دولية، مع بيعه محليًا بأسعار مدعومة، أسئلة اقتصادية كبيرة.
وتتطلب معالجة هذه التحديات أن تتّبع الحكومة الإيرانية إستراتيجية شاملة تشمل إصلاحات الدعم وتعزيز الكفاءة وزيادة الاستثمارات في الإنتاج المحلي.
ويشير هذا التعاون الناشئ إلى تحول أساس في إستراتيجيات الطاقة لكل من إيران وروسيا، ولكن نجاحه يتوقف على التغلب على التحديات اللوجستية وإدارة المخاطر الجيوسياسية بمهارة.
وفي الوقت نفسه، تجب معالجة العواقب البيئية لارتفاع استهلاك الغاز والبنية الأساسية الجديدة لخطوط الأنابيب.
وقد تواجه حكومة بيزيشكيان ضغوطًا للتوفيق بين أمن الطاقة والأولويات البيئية، خصوصًا في سياق جهود تغير المناخ العالمي.
وقد يدفع هذا الوضع الاستثمارات في الطاقة المتجددة، إلى جانب التوسع في واردات الغاز، حيث تهدف طهران إلى تنويع محفظة الطاقة لديها وخفض انبعاثات الكربون بمرور الوقت.
وعلى الرغم من أن اتفاقية الغاز مع روسيا لن تمنح طهران استقلالًا كاملًا في مجال الطاقة، فإنها تتمتع بالقدرة على تعزيز أمن الطاقة في البلاد، وترسيخ نفوذها في السوق، وتحسين قدراتها التكنولوجية.
ومع ذلك، فإن هذه الصفقة تؤسس للاعتماد الطويل الأجل على روسيا، وسوف يعتمد التأثير الإجمالي بالمشهد الطاقي في طهران على مدى فعالية البلاد في الاستفادة من هذه الشراكة لتعزيز قدراتها ومكانتها في السوق.
وفي حالة تنفيذها بنجاح، فقد تفيد صفقة الغاز اقتصاد طهران بشكل كبير، وتزيد من نفوذها الإقليمي، وتعزّز بُنيتها التحتية للطاقة.
رغم ذلك، فإن تحقيق هذه المزايا يتوقف على التغلب على التحديات التقنية والمالية والجيوسياسية العديدة المرتبطة بمثل هذا المسعى واسع النطاق.
الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب “دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001”.
* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
Source link