فرنسا تُشعل أزمة الصحراء الغربية في المغرب باستثمارات الطاقة المتجددة

تقترب منطقة الصحراء الغربية في المغرب من استقبال استثمارات فرنسية مليارية بقطاع الطاقة المتجددة والهيدروجين وتحلية المياه، في حين يفتح البلدان صفحة جديدة من العلاقات الإستراتيجية.

وتعوّل الحكومة، بقيادة الملك محمد السادس، على مشروعات الطاقة المتجددة لتحقيق هدف رفع حصة الإمدادات النظيفة بمزيج الكهرباء إلى 52% بحلول عام 2030، وكذا تصدير الهيدروجين الأخضر إلى أوروبا، وفق تحديثات القطاع لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).

وتحت عاصفة من التصفيق داخل البرلمان المغربي، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيادة المغرب على الصحراء الغربية موضع النزاع طويل الأمد مع جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، كما دعّم خطة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب في عام 2007، بوصفها الحل العادل والدائم، وهو موقف دفع الجزائر إلى سحب سفيرها من باريس في يونيو/حزيران (2024).

وكان الخلاف بين الجارتين العربيتين سببًا في انقطاع إمدادات الغاز الجزائري إلى المغرب عبر خط أنابيب الغاز المغاربي الأوروبي الذي كان ينقل الإمدادات إلى إسبانيا وأوروبا مرورًا بأرض المغرب على مدار ربع قرن.

ولن يفتح موقف فرنسا الداعم للمغرب صفحة جديدة من العلاقات الدبلوماسية بين الرباط وباريس فحسب، وإنما سيطلق العنان للشركات الفرنسية لاستغلال الموارد الطبيعية الثمينة في منطقة الصحراء الغربية.

ودعمًا لهذا الموقف، كشف ماكرون عن عزم بلاده ضخ استثمارات ومبادرات دائمة وتضامنية لصالح سكان المنطقة، لتضيف إلى زخم اتفاقيات بقيمة 10 مليارات دولار، من بينها الطاقة والهيدورجين الأخضر، أبرمها البلدان خلال الزيارة.

الطاقة المتجددة في الصحراء الغربية

تحتضن منطقة الصحراء الغربية موارد طاقة متجددة وفيرة، واحتياطيات فوسفات عالمية الطراز يديرها المكتب الشريف للفوسفاط (OCP).

ويمتلك المغرب احتياطيات تُقدر بنحو 50 مليار طن؛ ما يجعله ثاني بلدان العالم امتلاكًا لاحتياطيات الفوسفات بعد النرويج، وهو ما يوضحه الرسم البياني الآتي من إعداد منصة الطاقة المتخصصة:

أكبر الدول امتلاكًا لاحتياطيات الفوسفات في العالم

وخلافًا للتعدين، تُعد الصحراء الغربية مركزًا مثاليًا لقطاع الطاقة المتجددة، كونها تضم مساحات شاسعة ومطلة على سواحل المحيط الأطلنطي، وفق تقرير لمنصة “موروكو ورلد نيوز” المحلي (morocco world news).

وهنا، يقول مدير مجلس المستثمرين الفرنسي إتيان غيرو، إن قطاع الطاقة المتجددة سجّل استثمارات مكثفة بين البلدين، وبدعم من تحسّن العلاقات المشتركة، ستشهد المنطقة استثمارات ضخمة تعود بالنفع على كلا البلدين.

وعلى نحو خاص، لفت إلى قطاع الطاقة الشمسية، قائلًا إنه يمتلك القدرة ليس لتزويد سكان الصحراء الغربية بالكهرباء وإنما جنوب المغرب أيضًا.

وعلى صعيد طاقة الرياح، تتميّز المنطقة بسرعة 8.4 مترًا في الثانية، وتحتضن 4 محطات تغذّي شبكة الكهرباء بما يصل إلى 750 ميغاواط/ساعة، وهي: طرفاية (تستثمر بها إنجي الفرنسية) وأفتيسات والعيون وأخفنير، كما يجري تطوير محطتين إضافيتين هما بوجدور وتيسكراد.

وعلاوة على ذلك، أبدت شركات فرنسية وسعودية اهتمامها بخطة مغربية لإقامة 3 مشروعات طاقة متجددة في الصحراء الغربية، بقدرة نحو 1.4 غيغاواط، وكذا خط نقل كهرباء بقدرة 3 غيغاواط.

الدول العربية المنتجة للطاقة المتجددة

محطة طرفاية – أرشيفية

اتفاقيات الطاقة بين المغرب وفرنسا

خلال زيارة الرئيس الفرنسي رفيعة المستوى إلى المغرب التي تستمر 3 أيام، بحضور 9 وزراء ورجال أعمال وشخصيات بارزة من فرنسا، استحوذ قطاع الطاقة المتجددة على النصيب الأكبر من الاتفاقيات الثنائية.

وبحضور العاهل المغربي والرئيس الفرنسي، أبرم المكتب الشريف للفوسفاط وشركة إنجي الفرنسية (Engie) اتفاقية مبدئية يوم الإثنين (28 أكتوبر/تشرين الأول 2024) للتعاون في مشروعات الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر وتحلية المياه بقيمة 18 مليار دولار.

وتفصيليًا، تغطي الاتفاقية قطاع الأبحاث والابتكار، و4 مشروعات لإنتاج الطاقة المتجددة، مع تخزين الكهرباء وإنتاج الأمونيا الخضراء والبنية الأساسية لربط الكهرباء في مواقع المكتب، ومحطة تحلية مياه للاستعمال الزراعي، فضلًا عن دراسات جدوى بشأن إنتاج الهيدروجين الأخضر والميثانول الاصطناعي ووقود الطيران المستدام.

ومن المتوقع اتخاذ قرار الاستثمار النهائي بشأن خطة الطاقة المتجددة في عام 2026، وتحلية المياه والهيدروجين الأخضر في 2028، والأخرى خلال المدى القصير إلى المتوسط.

يُشار هنا إلى أن المكتب المغربي يخطط لاستثمار 13 مليار دولار بين عامي 2023 و2017، للاعتماد الكامل على الطاقة المتجددة في عملياته الصناعية وتحلية المياه، وصولًا إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2040، وفق بيان صحفي نشره المكتب عبر موقعه الإلكتروني.

وفي السياق ذاته، وقّع المكتب الشريف للفوسفاط وبنك الاستثمارات العمومي الفرنسي (BPIFRANCE) والوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) مذكرة تفاهم تستهدف دعم إزالة الكربون من قطاع الصناعة والزراعة.

وتضمّنت المذكرة إنشاء صندوق استثماري بقيمة 50 مليون يورو (54 مليون دولار)، لدعم المشروعات الناشئة والصغيرة والمتوسطة في قطاعات الزراعة والطاقة المتجددة والأمن الغذائي.

كما سيعزز البنك الفرنسي تعاونه مع المكتب، من أجل إرساء شراكة شاملة تدعم إستراتيجية الاستثمار الأخضر وتمويل وضمان مشروعات ينفّذها المكتب في المغرب وأفريقيا.

ملك المغرب ورئيس فرنسا أثناء توقيع اتفاقيات التعاون أمس 28 أكتوبر
ملك المغرب ورئيس فرنسا في أثناء توقيع اتفاقيات التعاون أمس 28 أكتوبر- الصورة من “الصحيفة”

وفي ثاني أيام الزيارة، أبرم تحالف تقوده توتال إنرجي الفرنسية اتفاقية مبدئية مع الحكومة، لحجز أراضي مشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر داخل الصحراء الغربية بالمغرب، بحسب بيان صحفي نشرته الشركة على موقعها الإلكتروني.

ويستهدف المشروع الذي أُطلق عليه “شبيكة” في كلميم واد نون قرب ساحل المحيط الأطلنطي، بناء محطات طاقة شمسية ورياح بقدرة 1 غيغاواط، لإنتاج الهيدروجين الأخضر بوساطة محلل كهربائي يستعمل المياه المحلاة، ثم تحويلها لإنتاج 200 ألف طن سنويًا من الأمونيا الخضراء التي تُصدر إلى أوروبا.

ويتألّف التحالف من شركة “تي إي إتش تو” (TE H2)، وهي مشروع مشترك من توتال وإرين غروب (EREN Group)، و”كوبنهاغن إنفراستراكشر بارتنرز” (CIP)، و”إيه بي مولر كابيتال” (A.P. Møller Capital).

وستفتح الاتفاقية الأولى من نوعها الباب أمام إجراء دراسات التصميم الهندسي الأولي للواجهات الأمامية (pre-FEED)، وستعزّز دور المغرب الذي يطمح إلى تلبية 4% من إمدادات الهيدروجين الأخضر في السوق العالمية بحلول نهاية العقد خلال 2030.

وبدعم من موقعه المميز، يأتي المغرب في صدارة الدول المرشحة لتلبية احتياجات أوروبا التي تستهدف استيراد 10 ملايين طن من الهيدروجين الأخضر سنويًا بحلول 2030.

اتفاقيات أخرى

يعزّز اعتراف إيمانويل ماكرون بسيادة المغرب على الصحراء الغربية موقف الدولة العربية السياسي في أطول نزاعات القارة السمراء على الصعيد الدولي، فضلًا عن إقامة المزيد من مشروعات الطاقة المتجددة في الصحراء الغربية، عبر الاستفادة من العلاقات السياسية القوية المشتركة.

واتهمت جبهة البوليساريو الشركات الفرنسية العاملة بالمنطقة بـ”تمويل الاستعمار”، لكن رئيس مجلس المستثمرين الفرنسي إتيان غيرو أوضح أنها تأتي ضمن سياق أكبر لتطوير البنية الأساسية وزيادة فرص العمل ودفع النمو الاقتصادي وجلب المنافع إلى السكان المحليين.

ومن بين 22 وثيقة تعاون شهد توقعيها زعيما المغرب وفرنسا، رصدت منصة الطاقة المتخصصة اتفاقية لتفعيل “عرض المغرب”، بهدف تطوير سلسلة توريد الهيدروجين الأخضر.

كما وقّعت وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة ليلى بنعلي ونظيرتها الفرنسية أولغا جيفرنيت شراكة إستراتيجية في مجال الطاقة المتجددة وشبكات الكهرباء والهيدروجين منخفض الكربون وتخزين الكهرباء.

كما اتفق وزير التجهيز والماء نزار بركة والمدير العام للوكالة الفرنسية للتنمية بشأن التحول الأخضر للمواني ومواجهة تغير المناخ والاقتصاد الأزرق والابتكار.

وتعزيزًا للاستدامة في مجالي الزراعة والغابات، وقّع وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات اتفاقًا مع نظيرته الفرنسية آني جونيفار.

كما اتفق البلدان على إنشاء مركز أبحاث فرنسي مغربي ذي توجه أفريقي في مجالات، من بينها الطاقة المتجددة والهيدروجين. ووقع المغرب بروتوكولًا مع شركة “إي دي إف” الفرنسية (EDF) بشأن أعمال المرحلة الثانية من مزرعة الرياح في مدينة تازة بطاقة 63 ميغاواط.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.


Source link

شارك هذا الخبر