تحتضن منطقة الدقم في سلطنة عمان استثمارات بمليارات الدولار؛ إذ تُعَد إحدى أهم وأكبر المناطق الاقتصادية في الشرق الأوسط، وبوابة عُمان لتحتل موقعًا متميزًا في سوق الطاقة العالمية.
وفي هذا الإطار، استعرض ملتقى الدقم الخامس الذي نظّمه فرع غرفة تجارة وصناعة عمان بمحافظة الوسطى، بالشراكة مع وزارة الخارجية والهيئة العامة للمناطق الاقتصاديّة الخاصة والمناطق الحرة بمركز عمان للمؤتمرات والمعارض أهم الفرص الاستثمارية المتاحة بالاقتصاد الأزرق وقطاعات الأمن الغذائي واللوجستي والسياحي والطاقة المتجددة في سلطنة عمان بشكل عام ومحافظة الوسطى بشكل خاص.
وتستحوذ استثمارات الطاقة، وفق ما رصدته منصة الطاقة المتخصصة (مقرها واشنطن) على النصيب الأكبر في منطقة الدقم في سلطنة عمان، والتي يصل إجماليها إلى نحو 55 مليار دولار.
ويبلغ إجمالي الاستثمارات القائمة بالمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم أكثر من 6 مليار ريال عماني (15.59 مليار دولار) في الربع الثالث من عام 2024، في حين تقدر تكلفة مشروع مصفاة الدقم، أهم المصافي على مستوى المنطقة، أكثر من 8 مليارات دولار وبطاقة إنتاجية تبلغ 230 ألف برميل يوميًا.
وتحتضن منطقة الدقم في سلطنة عمان 5 مشروعات طاقة متجددة من أصل 8 مشروعات وطنية مطروحة على مستوى سلطنة عمان بقيمة استثمارية بلغت 49 مليار دولار في مشروعات الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
تتميز منطقة الدقم في سلطنة عمان بموقعها الإستراتيجي على خطوط الملاحة الدولية بين الشرق والغرب وبالقرب من الأسواق الاستهلاكية في آسيا وأفريقيا، وبقربها من مناطق إنتاج النفط والغاز.
وأشار وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية الشيخ خليفة بن علي الحارثي، خلال مشاركته في افتتاح ملتقى الدقم، إلى أن سلطنة عمان بما لها من موقع إستراتيجي على البحار المفتوحة أتاح لها التواصل وإقامة علاقات تجارية وثقافية مع الكثير من الدول والشعوب في العالم عبر العصور المختلفة، وهو ما تقوم الحكومة باستثماره وتعزيزه عبر بناء موانٍ حديثة وشبكة طرق سريعة تقدم خدمات لوجستية متميزة في مجال توزيع الحاويات ونقلها بالمنطقة؛ ما يؤهلها لتكون حلقة ربط رئيسة في شبكة النقل العالمية.
وقال إن إقامة مثل هذه الندوات تتيح الفرصة لتبادل الخبرات العالمية والاستفادة من الأبحاث والتطورات الجديدة واستكشاف مزيد من الفرص في مجال الاستثمار والسياحة والسلامة البيئية والملاحية في البحار والمحيطات، وسلطنة عمان لديها الكثير من المقومات والموارد المتعلقة بالاقتصاد الأزرق والتي تشكل فرصًا واعدة للاستثمارات الأجنبية، والعلاقات العمانية المتميزة مع معظم دول العالم والتي تتسم بالنماء والتطور والاحترام المتبادل بجانب الاستقرار السياسي والمالي تشكل بيئة مواتية لجذب الاستثمارات الأجنبية.
وأوضح أن وزارة الخارجية ومن خلال تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية تشكل حلقة وصل بين الجهات المعنية والدول أو الكيانات والأفراد الراغبين في الاستثمار في سلطنة عمان، مشيرًا إلى أن سلطنة عمان ممثلة بوزارة الخارجية سوف تستضيف النسخة الثامنة من مؤتمر المحيط الهندي، في مسقط خلال فبراير/شباط 2025، بهدف تعزيز الشراكات الدولية وتطوير الحلول المبتكرة التي تسهم في استدامة منطقة المحيط الهندي واستقرارها.
وتقع منطقة الدقم في سلطنة عمان على بحر العرب المفتوح على المحيط الهندي، بعيدًا عن مضيق هرمز الذي شهد العديد من المناوشات بين إيران وأميركا وسبّب تعطّل إمدادات النفط عدّة مرات.
أوضح محافظ الوسطى الشيخ أحمد بن مسلم الكثيري، أن المحافظة تعد من المراكز الوطنية الاقتصادية المهمة وشريكًا فاعلًا في تنفيذ مستهدفات رؤية عمان 2040؛ لما تزخر به من مقومات متنوعة وموارد غنية متعددة، يأتي في مقدمتها قطاع النفط والغاز وهو القطاع الأبرز من حيث القيمة الاستثمارية والأثر الاقتصادي على مستوى سلطنة عمان والفرص الاستثمارية المتاحة في هذا القطاع.
وأضاف أن المحافظة تواصل تطوير ورفع مستوى كفاءة المشروعات التنموية لدعم المقومات الاقتصادية وتعزيز الرفاه الاجتماعي من خلال تطوير البنية الأساسية ومستوى الخدمات العامة بقيمة 7.5 مليون ريال (19.48 مليون دولار)، وزيادة فاعلية المشروعات الترفيهية ودعم الأنشطة السياحية بقيمة تصل إلى 13 مليون ريال عماني (33.77 مليون دولار).
* الريال العماني يعادل 2.6 دولارًا أميركيًا
وشدد على أن المحافظة تشكل مركزًا إقليميًا مهمًا لقطاع اللوجستيات البحرية بولاية الدقم التي تتميز بموقعها الإستراتيجي الواسع الأفق نحو المواني العالمية، والمناطق الصناعية المتكاملة التي تمثل ركيزة أساسية لدعم تحقيق أولويات رؤية السلطنة الهادفة إلى تعزيز التنوع الاقتصادي وإيجاد فرص عمل مستدامة.
وأوضح الكثيري أن المحافظة تعمل على مشروعات ذات الأثر العالي في مجال الكربون الأزرق لتوفر الأراضي الرطبة، من خلال إنشاء بحيرات صناعية ملائمة لزراعة أشجار القرم جاءت من أجل تحقيق عوائد بيئية واقتصادية من خلال استثمار رأسمال يقدر بـ100 مليون دولار لاستصلاح أراضٍ على مساحة 20 ألف هكتار تستوعب أكثر من 100 مليون من أشجار القرم، بالإضافة إلى مشروعات الثروة السمكية والأنشطة المتعلقة بها؛ حيث يشكل هذا القطاع نسبة 37% من إجمالي الناتج المحلي؛ ما يشكل ثروة وطنية إستراتيجية لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الأمن الغذائي وتنويع مصادر الدخل وتوفير فرص العمل.
وأشار إلى أن المشروعات القائمة لهذا القطاع بإجمالي استثمارات بلغت 611.5 مليون ريال عماني، ومن أهم هذه المشروعات ذات الأثر العالي مشروع الجازر لاستزراع الروبيان بقيمة استثمارية 462 مليون ريال عماني وبقدرة إنتاجية تصل إلى 220 ألف طن سنويًا، ومشروعات الصناعات السمكية والغذائية والتي بلغت تكلفتها 105 ملايين ريال عماني، ومشروعات مواني الصيد البحرية بولايات الدقم ومحوت والجازر بإجمالي تكلفة 102 مليون ريال عماني، بالإضافة إلى مشروعات تطوير الأسواق السمكية وقرى الصيادين بولايتي الدقم والجازر بتكلفة بلغت 4 ملايين ريال عماني.
أشار رئيس مجلس إدارة فرع غرفة تجارة وصناعة عمان بمحافظة الوسطى والمشرف العام للملتقى الدكتور سالم بن سليم الجنيبي، إلى أن ملتقى الدقم يمد جسور التعاون الاقتصادي بين الشركاء ويجمع الخبراء لرسم مسارات النماء والتطور ليحقق جزءًا من مستهدفات رؤية عمان 2040.
وقال إن ما تملكه سلطنة عمان من شريط ساحلي وبنى أساسية بقطاع المواني والشحن البحري وما تستشرفه من نمو في قطاع الطاقة البديلة يجعل منها أحد أبرز المؤثرين في خطط الاقتصاد الأزرق ويؤهلها لأن تشكل مركز استقطاب لرؤوس الأموال في مشروعاته المختلفة، لذا جاءت النسخة الخامسة لهذا الملتقى لترسم بعض المسارات التي يمكن من خلالها وضع خريطة عامة وإستراتيجية واضحة للاقتصاد الأزرق ليكون وجهة جديدة للاستثمار بسلطنة عمان.
وتطرّق مستشار رئيس الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية والمناطق الحرة صالح بن حمود الحسني إلى السياسات والخطط الاستثمارية التي تعمل عليها الهيئة لتطوير الاقتصاد الأزرق، إذ تؤدي الهيئة دورًا مهمًا في تطوير الاقتصاد الأزرق من خلال مجموعة من السياسات والمبادرات أهمها تشجيع الاستثمارات المستدامة وتوفير حوافز للمستثمرين في مشروعات الاقتصاد الأزرق، مثل (تربية الأحياء البحرية، والطاقة المتجددة، وإدارة الموارد المائية)، وتحفيز الابتكار وإنشاء مراكز بحث وتطوير لدعم الابتكارات في التكنولوجيا البحرية، مثل (نظم مراقبة الجودة وتطوير تقنيات صيد مستدامة)، إضافة إلى توفير البنية الأساسية وتحسين المواني والمرافق اللوجستية لدعم أنشطة النقل والتجارة المتعلقة بالاقتصاد الأزرق، وتطوير السياسات البيئية وضع معايير بيئية صارمة للحفاظ على التنوع البيولوجي البحري وتقليل التلوث.
وأوضح أن دور الهيئة في نمو الاقتصاد الأزرق يأتي من خلال تسهيل الاستثمار، حيث تقدم هذه المناطق حوافز مثل الإعفاءات الضريبية والرسوم المخفضة، ما يشجع المستثمرين على ضخ الأموال في مشروعات مرتبطة بالاقتصاد الأزرق، مثل الصيد المستدام، وتربية الأحياء البحرية، والسياحة البحرية، وتطوير البنية الأساسية والتي تساعد المناطق الاقتصادية الخاصة في تحسين البنية الأساسية اللازمة للنشاطات البحرية، منوهًا بأن الهيئة تشجع الابتكار من خلال توفير بيئة مرنة، وتشجع هذه المناطق الشركات على الابتكار في مجالات مثل التكنولوجيا البحرية والتقنيات النظيفة، ما يعزز من استدامة الموارد المائية، كما تعمل على دعم التعليم والتدريب، حيث تسهم في إنشاء برامج تدريب وتعليم تركز على المهارات المرتبطة بالصناعات البحرية؛ ما يسهم في تحسين الكفاءة وتعزيز الوظائف في هذا القطاع.
يذكر أن ملتقى الدقم الاقتصادي الخامس يعكس التزام سلطنة عمان بتعزيز بيئة الاستثمار وتطوير الاقتصاد الأزرق، إذ يجمع بين القطاعين العام والخاص لتبادل الأفكار والرؤى حول مستقبل الاستثمار في هذا المجال. ويمثل الحدث منصة فريدة لرواد الأعمال والمستثمرين لاكتشاف الفرص المتاحة وبناء شراكات إستراتيجية تسهم في تحقيق النمو المستدام، ومن المتوقع أن يحقق الملتقى نتائج إيجابية تدعم الجهود الوطنية نحو تحقيق رؤية عمان 2040؛ ما يجعل من الاقتصاد الأزرق أحد العوامل الحيويّة في مسيرة التنمية الاقتصاديّة لسلطنة عمان.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..