مستقبل الهيدروجين النظيف “محل شك”.. هل يواصل المطورون المخاطرة؟

تعدّ خطط تطوير الهيدروجين النظيف مصدر قلق لأوساط عدّة في السوق، وبمرور الوقت تتّسع الفجوة بين المستهدفات الطموحة وتحوّلها إلى واقع، عبر بدء تنفيذ المشروعات.

وعلى الجانب الآخر من هذه التقلبات العنيفة للسوق، تُواصل كل من: الهيئات الدولية المعنية (مثل وكالة الطاقة الدولية) والحكومات، التمسك بأهداف الهيدروجين، في إطار مساعي الالتزام بالتحول إلى الطاقة النظيفة وخفض الانبعاثات.

وخلال متابعتها تطورات قطاع الهيدروجين، رصدت منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) حالة من “التردد” في ضخ الاستثمارات بالسوق، وسط تشكُّك بعض المطورين في جدوى ذلك.

وكانت شركات أسترالية رائدة قد تراجعت عن تطوير مشروعات هيدروجين في البلاد خلال الأشهر الفائتة، وتكرَّر الأمر مع شركات أوروبية أخرى.

وتطلبت هذه المستجدات وقفة من الخبراء والمحللين، الذين حاولوا استعادة الانتباه للوقود النظيف ومنخفض الانبعاثات، بالترويج لمشتقات الهيدروجين المتنوعة، التي يمكن أن تغزو السوق المستقبلية.

تفاؤل رغم التحديات

تواجه خطط الهيدروجين النظيف العالمية تحديات تشكّل قاسمًا مشتركًا بين الأسواق المختلفة، أبرزها حالة عدم اليقين في حجم الطلب المستقبلي، وقدرة المطورين على إبرام عقود شراء طويلة الأجل.

وتشكّل التوقعات المتفائلة بتزايد حجم الطلب بحلول عام 2050 إلى 6 أضعاف المعدل الحالي، عنصرَ جذب للمستثمرين، لكن التحديات السابق ذكرها ومخاطر السياسات والبنية التحتية تقوّض الاستثمار.

وزير المناخ والطاقة الدنماركي لارس آغارد خلال مشاركته في مؤتمر الهيدروجين العالمي بوكوبنهاغن
وزير المناخ والطاقة الدنماركي لارس آغارد خلال مشاركته في مؤتمر الهيدروجين العالمي – الصورة من Hydrogen Insights

بدورها، أوضحت المديرة التنفيذية للهيدروجين والغاز منخفض الكربون لدى إس بي غلوبال “كاثرين روبنسون” أن إنتاج الهيدروجين الأخضر والأزرق يشهد تقدمًا.

وأضافت أن التخطيط لزيادة الطاقة الإنتاجية زاد منذ مطلع العام الجاري 2024 بمعدل 70%، حسب تصريحات لها خلال مؤتمر العالمي للهيدروجين، الذي عُقِد في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن، مطلع شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري.

ولدعم تجاوز بعض التحديات أمام توسعات الصناعة ومعدل الطلب، طالبت وكالة الطاقة الدولية الحكومات بزيادة الحوافز والامتيازات، وأطلقت تقريرها لآفاق الهيدروجين لعام 2024، بالتزامن مع انعقاد مؤتمر كوبنهاغن.

وأشادت الوكالة بزيادة مشروعات الهيدروجين التي بلغت مرحلة “قرار الاستثمار النهائي” إلى الضعف، متوقعةً إنتاجًا إجماليًا عالميًا يقارب 50 مليون طن سنويًا، حال الالتزام بتنفيذ المشروعات المعلَنة حتى الآن.

متطلبات ضرورية.. وتنوع جاذب

تحتاج التوقعات المتفائلة لوكالة الطاقة إلى تحقيق نمو في قطاع الهيدروجين بمعدل يتجاوز 90% سنويًا، بدءًا من العام الجاري حتى عام 2030.

وقال المدير التنفيذي للوكالة، فاتح بيرول، إن تطوير الهيدروجين النظيف منخفض الانبعاثات يعزز القطاع الصناعي، والصناعات كثيفة الاستهلاك، مثل: الصلب والتكرير والكيماويات.

وأضاف أن نجاح مشروعات الهيدروجين مرهون بتأمين المنتجين قوة شرائية، مشيرًا إلى أن مواجهة هذا التحدي تقع على عاتق صنّاع السياسات والمطورين للبحث عن وسائل تنعش معدل الطلب، وتراعي خفض التكلفة في الوقت ذاته.

وغازل حاضرو المؤتمر الدولي المطورين بإغرائهم بحجم التنوع في خيارات الهيدروجين النظيف ومشتقاته، ما بين “الأمونيا الخضراء، والوقود الكهربائي، وغازات الهيدروجين المختلفة، ووقود الطائرات المستدام، وغيرها.

ويمكن للمطورين الرهان على هذا التنوع للترويج لحجم النمو المستقبلي المتوقع للصناعة ومشروعاتها.

ومن بين هذه المشتقات، تبدو الأمونيا الأوفر حظًا لسهولة شحنها عبر ناقلات بحرية، إذ تُعدّ أفضل صورة لنقل الهيدروجين لمسافات طويلة، وتحظى الأمونيا الخضراء بتوقعات أكثر تفاؤلًا للتطوير والنمو.

وقالت نائبة رئيس شركة إكوينور النرويجية للحلول منخفضة الكربون، غريت تفيت، إن الأمونيا تشكّل شريان حياة لصناعة الهيدروجين، مثلما يشكّل الغاز المسال بالنسبة للغاز الطبيعي.

ويوضح الرسم أدناه -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- حجم توقعات إنتاج الهيدروجين حتى عام 2030:

ارتفاع الطلب العالمي على الهيدروجين إلى 97 مليون طن في 2023

مواقف الشركات والحكومات

في ظل هذا الجدل حول مستقبل الهيدروجين النظيف تباينَ موقف الشركات والحكومات، وبجانب التقلبات التي تشهدها مشروعات شركات أسترالية، يوجد ارتباك في بعض المواقع الأوروبية والأميركية.

نموذج شركة إكوينور

أقدمت شركة إكوينور النرويجية على خطوة لفتت أنظار المشاركين في مؤتمر كوبنهاغن، بعدما أوقفت مشروعًا محليًا لإنتاج الهيدروجين الأزرق، وتخارجت من مشروع لتطوير شبكة نقل في ألمانيا.

وبررت نائبة رئيس الشركة للحلول منخفضة الكربون، غريت تفيت، هذا التراجع، بأنه “إدراك لواقع السوق” استدعى التوقف عن المشاركة في المشروعات السابق ذكرها، حسب شبكة بتروليوم ميديا (PE Media network).

وشددت “تفيت” على أن شركتها لا تتراجع عن خططها، بل “تعكس واقع السوق” حسب قولها، مؤكدةً تمسُّك شركة إكوينور بمواصلة تطوير مشروعات الهيدروجين النظيف ومشتقاته، في مواقع أخرى بأوروبا وأميركا.

أتوم إنرجي

عدّلت شركة أتوم إنرجي (Atom Energy) المُدرجة في بورصة لندن من خططها للاستثمار في الهيدروجين ومشتقاته.

وبعد بدء تطوير مشروع لإنتاج الأمونيا الخضراء في باراغواي، استجابت الشركة لطلبات المستثمرين، وغيّرت المسار إلى تطوير أحد منتجات الأسمدة “النترات الخضراء لأمونيوم الكالسيوم”.

وتتيح توسعات الشركة في الصناعة تلبية طموحها، ببدء توريد الحافلات العاملة بخلايا وقود الهيدروجين إلى السوق المحلية في كوبنهاغن.

خطط أميركا

بالنسبة لخطط التطوير في أميركا، ألقت المديرة التنفيذية للهيدروجين والغاز منخفض الكربون لدى إس بي غلوبال “كاثرين روبنسون” باللوم على ائتمان 45 في “45V” الذي أقرّته إدارة الرئيس جو بايدن في أميركا بموجب قانون التضخم، مشيرة إلى أنه قيّد الاستثمار في الهيدروجين النظيف بالبلاد.

ويرجع ذلك إلى الاشتراطات التي يقرّها الائتمان لإنتاج الهيدروجين، عبر قصر الائتمان على الإنتاج في منشآت تطلق 4 كيلوغرام من مكافئ ثاني أكسيد الكربون/كيلوغرام أو أقل من الهيدروجين.

مشروع هيدروجين أخضر تابع لشركة إيبردرولا الإسبانية
مشروع هيدروجين أخضر تابع لشركة إيبردرولا الإسبانية – الصورة من eFUEL Today

الاستثمار في الهيدروجين

تعاني سوق الهيدروجين النظيف في الآونة الحالية من “ضبابية” في قياس مستقبل الطلب، لتحديد أبرز مشتقات الوقود التي ستجذب المطورين.

وربما يرجع هذا إلى عدم اتفاق السوق على نسب كثافة الكربون المتاحة في الهيدروجين حتى يظل نظيفًا، وفق مسؤول الطاقة في شركة “كينغ سبالدينغ King & Spalding) العالمية للمحاماة -تتخذ من أميركا مقرًا لها-، دان فيلدمان.

ومن زاوية أخرى، يتحفظ عدد من المشترين على توقيع عقود شراء هيدروجين طويلة الأجل، نظرًا لأن الزخم المستقبلي قد يؤدي لانخفاض أسعار الوقود النظيف مقارنة بالأسعار الحالية.

وأجمع عدد من المشاركين في مؤتمر كوبنهاغن على أن أبرز التحديات، التي تقف حائلًا أمام وصول مشروعات الهيدروجين إلى قرار الاستثمار النهائي، تتمثل في “تأمين صفقات الشراء”.

وأكدوا أن الدعم المقدّم من بعض الحكومات لا يبدو كافيًا لسدّ الفجوة، بين تكلفة إنتاج المشتقات الخضراء وبين الأسعار التي يعرضها المشترون.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.


Source link

شارك هذا الخبر