تداعيات استهداف إسرائيل المحتمل لمنشآت النفط والغاز في إيران (مقال)

اقرأ في هذا المقال

  • الطاقة الاحتياطية لمنظمة أوبك قد تساعد في استقرار السوق، إذا ظل مضيق هرمز مفتوحًا
  • الانتقام الإيراني ضد نقل النفط في الخليج العربي قد يؤدي إلى تفاقم التوترات الإقليمية
  • إيران تواجه أزمة طاقة داخلية كبيرة، خصوصًا في قطاع الغاز الطبيعي
  • إسرائيل قد تستهدف مصافي النفط ومصانع البتروكيماويات ومحطة التصدير في جزيرة خارج

في ظل التوترات المتصاعدة بين البلدين، برز احتمال توجيه إسرائيل ضربات إلى البنية الأساسية لمنشآت النفط والغاز في إيران قضية بالغة الأهمية، تنطوي على تداعيات خطيرة محليًا وإقليميًا وعالميًا.

ويمثّل قطاع الطاقة في إيران، خصوصًا منشآت النفط والغاز، أهمية بالغة لاقتصادها ومكانتها الإقليمية.

ومن الممكن أن تؤدي مهاجمة أصول النفط والغاز الرئيسة في إيران إلى تقويض الاستقرار الاقتصادي في البلاد، وتعطيل أسواق الطاقة العالمية، خصوصًا في المناطق التي تعتمد على الصادرات الإيرانية.

ومن الممكن أن تؤدي مثل هذه الأعمال العسكرية إلى إثارة دوافع الانتقام الإيراني، وتصعيد الصراعات الإقليمية، وزيادة التوترات الجيوسياسية.

أهداف محتملة للهجمات الإسرائيلية

حدد المحللون عدّة أهداف محتملة للهجمات الإسرائيلية، بما في ذلك مصافي النفط، ومحطات التصدير، على سبيل المثال، جزيرة خارج ــ المسؤولة عن 90% من صادرات إيران من النفط ــ ومنشآت البتروكيماويات، ومحطات توليد الكهرباء.

وتُعَدّ مصفاة “نجمة الخليج الفارسي” في ميناء بندر عباس، التي تزوّد إيران بنحو 40% من احتياجاتها المحلية من البنزين، هدفًا ذا أولوية عالية.

وتوجد عدّة عوامل إستراتيجية تزيد من احتمالات وقوع هذه الضربات، إذ إن القدرات الجوية الإسرائيلية المتقدمة تتجاوز بشكل كبير الدفاعات الجوية الإيرانية المحدودة، ما يسمح بشنّ هجمات دقيقة مع تقليل المخاطر.

وتعتزم إسرائيل ضرب الاقتصاد الإيراني مع تقليل الخسائر في صفوف المدنيين، وربما بدعم من الاستخبارات الأميركية.

وقد تكون العواقب المترتبة على مثل هذه الهجمات بعيدة المدى؛ لأنّ تعطيل البنية التحتية لقطاع النفط والغاز في إيران قد يشلّ إمدادات الوقود، ويزعزع استقرار اقتصادها، ويتسبب في ارتفاع أسعار النفط العالمية.

وعلى الرغم من أن الطاقة الاحتياطية لمنظمة أوبك قد تساعد في استقرار السوق إذا ظل مضيق هرمز مفتوحًا، فإن احتمالات التصعيد كبيرة.

وحدة ضغط الغاز في مصفاة عبادان الإيرانية
وحدة ضغط الغاز في مصفاة عبادان الإيرانية – المصدر: وكالة إرنا

مدى تأثر أسواق الطاقة العالمية

قد يؤدي الانتقام الإيراني ضد نقل النفط في الخليج العربي إلى تفاقم التوترات الإقليمية وخلق حلقة من العنف تؤثّر في أسواق الطاقة العالمية.

بدوره، يراقب المجتمع الدولي التطورات عن كثب، وأشار الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى أن المناقشات بشأن الضربات الإسرائيلية المحتملة على منشآت النفط والغاز في إيران مستمرة.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تعارض الهجمات على المواقع النووية الإيرانية، فقد تتبنّى نهجًا أكثر مرونة فيما يتصل بالبنية التحتية للطاقة، محاولةً للموازنة بين الأمن الإقليمي واستقرار الطاقة العالمية، ومع تصاعد التوترات، أظهرت الأسواق العالمية تقلبات متزايدة، ما يؤكد خطورة الموقف.

ورغم أن تفاصيل ردّ إسرائيل ما تزال غير مؤكدة، فإن التهديد بشنّ هجمات على البنية التحتية للطاقة في إيران يشكّل مصدر قلق عاجلًا بالنسبة للمحللين وصنّاع السياسات، مع ما يترتب على ذلك من آثار كبيرة على الاستقرار الإقليمي وأمن الطاقة العالمي.

الضربات الإسرائيلية: التأثير الإقليمي والعالمي

قد يؤدي الهجوم الإسرائيلي على منشآت النفط الإيرانية إلى عواقب اقتصادية وخيمة، على المستويين الإقليمي والعالمي.

ويتمثل القلق المباشر في تقلّب أسعار النفط، إذ ارتفعت أسعار الخام بنحو 8%، لتصل إلى نحو 77 دولارًا للبرميل بسبب التوترات المتصاعدة.

وقد يؤدي أيّ عمل عسكري آخر إلى ارتفاع كبير في الأسعار، ويتسبب في زعزعة استقرار الاقتصاد العالمي.

تنتج إيران نحو 3.9 مليون برميل يوميًا، وهو ما يمثّل نحو 5% من إنتاج النفط العالمي، ومن شأن الاضطرابات -خصوصًا في محطة نفط جزيرة خارج، التي تتعامل مع 90% من صادرات النفط الخام الإيرانية- أن تتردد أصداؤها في جميع أنحاء أسواق الطاقة.

محطة بندر عباس لتكثيف الغاز في مصفاة نجمة الخليج الفارسي
محطة بندر عباس لتكثيف الغاز في مصفاة نجمة الخليج الفارسي – أرشيفية

التأثير الاقتصادي في إيران

على الصعيد المحلي، ستعاني إيران بشدة، فمن شأن ضربة على منشآت رئيسة مثل مصفاة “نجمة الخليج الفارسي” في بندر عباس، المسؤولة عن 40% من إمدادات البنزين في البلاد، أن تزيد من معاناتها الاقتصادية، المتفاقمة بسبب العقوبات الأميركية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن التهديد بتعطيل الشحن في مضيق هرمز الإستراتيجي قد يحفّز الانتقام الإيراني، وربما نشر ألغام بحرية أو تكتيكات أخرى لمنع نقل النفط، ما يزيد من رفع أسعار الطاقة العالمية وتكثيف المنافسة على مصادر النفط البديلة، خصوصًا بالنسبة للمستوردين الرؤساء، مثل الصين.

أزمة الطاقة في إيران

تواجه إيران أزمة طاقة داخلية كبيرة، خصوصًا في قطاع الغاز الطبيعي، وتعاني البلاد من عجز يومي يبلغ نحو 250 مليون متر مكعب من الغاز خلال أشهر الشتاء.

وارتفع الطلب على الغاز من 153 مليار متر مكعب في عام 2013 إلى 245 مليار متر مكعب بحلول عام 2023، وهو نمو سنوي بنسبة 7%.

وفي الوقت نفسه، انخفض الإنتاج في حقل غاز بارس الجنوبي، وهو الأكبر في إيران.

وبحلول عام 2040، قد يلبي إنتاج الغاز في إيران ثلث الطلب المحلي فقط، مع انخفاض الإنتاج المحتمل إلى أقل من 493 مليون متر مكعب يوميًا.

وتسهم العقوبات ونقص الاستثمار الأجنبي وسوء الإدارة في تفاقم هذه الأزمة، وتشهد حقول النفط المتقادمة انخفاضًا سنويًا في الإنتاج بنسبة 8-12%، وتفتقر إيران إلى التكنولوجيا اللازمة للحفاظ على الهيليوم المستخرج من حقول الغاز المشتركة، وهو ما تفعله جارتها قطر بنجاح.

تهديد الضربات الإسرائيلية

في إطار هذه التحديات، يتزايد خطر شنّ إسرائيل ضربات على البنية الأساسية لقطاع النفط والغاز في إيران، ويشير المحللون إلى أن إسرائيل قد تستهدف مصافي النفط ومصانع البتروكيماويات ومحطة التصدير في جزيرة خارج.

ومن شأن مثل هذه الضربات أن تشلّ إمدادات الوقود الإيرانية، وتزيد من زعزعة استقرار اقتصادها، وتتسبب في ارتفاع أسعار النفط العالمية.

ورغم أن الطاقة الاحتياطية لمنظمة أوبك قد تعمل على استقرار الأسواق، فإن هشاشة جزيرة خارج معروفة جيدًا، وقد يؤدي العمل العسكري إلى إثارة الانتقام الإيراني، ما يهدد شحنات النفط في الخليج العربي.

الاستعدادات الإيرانية والتوترات الجيوسياسية

بدأت شركة ناقلات النفط الوطنية الإيرانية في سحب ناقلات النفط الخام الفارغة من جزيرة خارج، ما يشير إلى قلقها بشأن الضربات المحتملة.

على صعيد آخر، فإن احتمال الانتقام، على غرار هجمات 2019 على البنية التحتية النفطية السعودية من جانب كتائب حزب الله، يزيد المخاطر.

من ناحية ثانية، يمكن أن تؤدي الضربات الإسرائيلية على منشآت التصدير الإيرانية إلى إجراءات انتقامية تؤثّر بإنتاج النفط في المملكة العربية السعودية، بسعة 12 مليون برميل يوميًا، وهو أمر ضروري للاستقرار الإقليمي.

وعلى الرغم من أن إسرائيل تُعدّ مستوردًا صافيًا للنفط، فإن مهاجمة المصافي الإيرانية قد تؤدي إلى نقص الوقود المحلي في إيران، ما يؤدي إلى إثارة الاضطرابات المدنية.

تجدر الإشارة إلى أن مصفاة عبادان، بالقرب من الحدود العراقية، تزوّد نحو 25% من الوقود المحلي لإيران، مما يجعلها هدفًا بالغ الأهمية.

ويمكن أن تؤدي الضربة على جزيرة خارج إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية، وربما إلى أكثر من 100 دولار.

وقد تؤدي الأضرار التي قد تلحق بمحطات النفط الإيرانية غير المستعمَلة في محافظة هرمزغان إلى تعقيد خططها لتصدير النفط عبر طرق بديلة، إذا أُغلِق مضيق هرمز.

منصة بحرية في حقل سلمان النفطي في إيران
منصة بحرية بحقل سلمان النفطي في إيران – الصورة من بلومبرغ

التداعيات العالمية والإقليمية

سوف تمتد تداعيات الهجمات الإسرائيلية إلى ما هو أبعد من الآثار الاقتصادية الفورية، ما قد يؤدي إلى زعزعة استقرار المشهد الجيوسياسي الهشّ في الشرق الأوسط.

في المقابل، فإن تحالفات إيران مع حزب الله والميليشيات العراقية والفصائل السورية قد تجرّ هذه الجماعات إلى صراع أوسع نطاقًا.

من ناحيتها، ستتأثر دول مجلس التعاون الخليجي، ما يؤدي إلى مواجهة أوسع نطاقًا تشمل القوى الإقليمية والجهات الفاعلة العالمية، وسوف تواجه أسواق الطاقة العالمية اضطرابات كبيرة.

ومع سعي الدول إلى تحول الطاقة، فإن الانقطاعات الكبيرة في صادرات النفط الإيرانية قد تجبر البلدان، خصوصًا في آسيا، على إعادة تقييم إستراتيجياتها في مجال الطاقة.

وقد يؤدي هذا إلى علاقات أقوى مع الدول الأخرى المنتجة للنفط، أو تسريع الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة.

ومن شأن مثل هذه التحولات أن تزيد من زعزعة وتنافسية سوق الطاقة، ما يؤثّر بالعلاقات الجيوسياسية وإعادة تشكيل أمن الطاقة العالمي.

الخلاصة

يتعين على صنّاع القرار أن يفكّروا مليًا بالعواقب طويلة الأجل لأيّ عمل عسكري يستهدف البنية الأساسية لقطاع النفط والغاز في إيران.

ورغم أن الضربات الإسرائيلية قد توفّر فوائد إستراتيجية قصيرة الأجل، فإنها قد تؤدي إلى عواقب دائمة على الاستقرار الإقليمي وأسواق الطاقة العالمية.

ونظرًا للترابط بين أنظمة الطاقة وتقلبات الشرق الأوسط، فإن أيّ صراع يشمل منشآت النفط الإيرانية قد يخلّف آثارًا بعيدة المدى ودائمة في ديناميكيات القوة الإقليمية وأمن الطاقة العالمي.

الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب “دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001“.

* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.


Source link

شارك هذا الخبر

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.