تأمين إمدادات الطاقة بأسعار معقولة يضع الهند أمام تحديات ضخمة (مقال)

[ad_1]

اقرأ في هذا المقال

  • مزيج الطاقة في الهند يعتمد على الفحم والنفط والغاز الطبيعي والطاقة المتجددة.
  • الهند سعت إلى إبرام عقود نفطية طويلة الأجل مع روسيا وزيادة واردات الغاز المسال.
  • روسيا ظلت أكبر مورد للنفط الخام للهند لأكثر من عام.
  • قطر حافظت على مكانتها بصفتها أكبر مورد للغاز المسال إلى الهند.

تواجه الهند تحديًا كبيرًا في تأمين إمدادات الطاقة الموثوقة وبأسعار معقولة لتلبية احتياجاتها المحلية، ويعود ذلك إلى أنها واحدة من أسرع الاقتصادات نموًا في العالم، ومن المتوقع أن تصبح البلاد الأكثر اكتظاظًا بالسكان في العالم بحلول عام 2027؛ ما يزيد الطلب على الطاقة في جميع القطاعات.

ويُعد مزيج الطاقة في الهند متنوعًا، ويعتمد على الفحم والنفط والغاز الطبيعي والطاقة المتجددة، ولكن اعتمادها على الواردات لتلبية جزء كبير من احتياجاتها من الطاقة يمثل مخاطر جيوسياسية واقتصادية.

واتخذت الهند قرارات إستراتيجية لتأمين إمدادات الطاقة في المستقبل؛ بما في ذلك السعي إلى إبرام عقود نفطية طويلة الأجل مع روسيا وزيادة واردات الغاز المسال.

ويستكشف التقرير تطورات الإستراتيجيات، والتحديات في تحقيق التوازن بين الجغرافيا السياسية والاقتصاد، والآثار الأوسع نطاقًا لدور الهند في سوق الطاقة العالمية.

أولًا: إستراتيجية النفط الهندية مع روسيا

الطلب المتزايد على النفط

شهد طلب الهند على النفط تزايدًا مطردًا، مدفوعًا بالتحضر والنمو الصناعي وشبكات النقل المتوسعة، وتتوقّع وكالة الطاقة الدولية أن ينمو الطلب الهندي على النفط من 4.9 مليون برميل يوميًا في عام 2020 إلى 6.5 مليون برميل يوميًا بحلول عام 2030.

وبالنظر إلى الإنتاج المحلي المحدود من النفط، تستورد الهند ما يقرب من 85% من احتياجاتها من النفط؛ حيث تؤدي روسيا دورًا متزايدًا في سلسلة التوريد هذه.

ومنذ عام 2022، في أعقاب الحرب الروسية على أوكرانيا والعقوبات الغربية على الطاقة الروسية، استفادت الهند من النفط الروسي منخفض السعر.

من ناحية ثانية، قفزت حصة روسيا من واردات النفط الهندية إلى أكثر من 44% في يوليو/تموز 2024، قبل أن تنخفض قليلًا إلى 36% في أغسطس/آب الماضي بسبب انخفاض أحجام التكرير.

وعلى الرغم من التقلبات في أحجام الواردات؛ فقد ظلّت روسيا أكبر مورد للنفط الخام للهند لأكثر من عام.

ومن التطورات البارزة إبرام عقد طويل الأجل بين مصافي النفط الحكومية الهندية وشركة الطاقة الروسية العملاقة روسنفط Rosneft.

ووفقًا لمصادر من وزارة النفط والغاز الطبيعي الهندية؛ فإن المفاوضات جارية بشأن اتفاقية متعددة السنوات يمكن الانتهاء منها بحلول نهاية السنة المالية 2025-2026.

وهذا من شأنه أن يضمن أسعار نفط مواتية للهند، ويعزلها عن تقلبات أسواق النفط العالمية وعدم اليقين الجيوسياسي.

مصفاة نفط تابعة لشركة بهارات بتروليوم بمدينة مومباي في الهند
مصفاة نفط تابعة لشركة بهارات بتروليوم بمدينة مومباي في الهند – الصورة من رويترز

مفاوضات سعر النفط الروسي

دفعت حكومة الهند باتجاه تخفيضات كبيرة في أسعار النفط الروسي، سعيًا إلى خفض 5 دولارات للبرميل مقارنة بخام برنت، وهو المعيار العالمي.

ومع ذلك، لم تكن روسيا على استعداد لتقديم خصم سوى 3 دولارات للبرميل، بلغ متوسط ​​سعر خام الأورال الروسي في المواني الهندية 69.9 دولارًا للبرميل في سبتمبر/أيلول 2024، وهو ما يعكس خصمًا قدره 4 دولارات على خام برنت، الذي كان يتداول عند 73.9 دولارًا للبرميل خلال المدة نفسها.

وتُعد الأسعار أقل من نظيراتها في ميناء شاندونغ الصيني؛ إذ تم تداول النفط الروسي بمتوسط ​​72.2 دولارًا للبرميل.

يأتي إصرار الهند على تقديم خصومات أكبر من هدفها المتمثل في خفض تكاليف الاستيراد وسط سوق الطاقة العالمية المتقلبة بشكل متزايد.

بدورها، وقّعت شركة ريلاينس إندستريز المحدودة Reliance Industries Limited، وهي من أكبر التكتلات الخاصة في الهند، عقدًا مدته عام واحد مع شركة روسنفط لشراء ما لا يقل عن 3 ملايين برميل من النفط شهريًا في عام 2025.

تجدر الإشارة إلى أن الصفقة تنص على الدفع بالروبل الروسي، ما يزيد من دمج الهند في الأنظمة المالية البديلة في روسيا، التي تتحايل على العقوبات الغربية وتجارة النفط التي يهيمن عليها الدولار الأميركي.

تداعيات التعاون النفطي بين الهند وروسيا

تقدم الشراكة النفطية طويلة الأمد بين الهند وروسيا مزايا ومخاطر؛ فمن ناحية يساعد تأمين إمدادات ثابتة من الخام المخفض السعر الهند على استقرار تكاليف الطاقة، ودعم نموها الاقتصادي وحمايتها من تقلبات السوق.

ومن ناحية أخرى، يضع اعتماد الهند المتزايد على النفط الروسي هذه الأخيرة في موقف دبلوماسي حساس، خصوصًا لأنها تسعى إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع الدول الغربية التي فرضت عقوبات على موسكو.

وتشير العلاقة النفطية الإستراتيجية إلى التوازن بين المصالح الاقتصادية والضغوط الجيوسياسية.

من جهته، صرح وزير النفط والغاز الطبيعي الهندي هارديب سينغ بوري، بأن نيودلهي مستعدة لمواصلة شراء النفط الروسي ما دام يُعرض بأسعار مخفضة؛ ما يعكس موقف الهند غير المنحاز في الجغرافيا السياسية العالمية.

رغم ذلك، يكمن التحدي في توجيه شراكتها مع روسيا مع التعامل مع الغرب، خصوصًا الولايات المتحدة، التي تنظر إلى الهند بصفتها شريكًا مهمًا في إستراتيجية المحيطين الهندي والهادئ الرامية إلى مواجهة نفوذ الصين.

ثانيًا: واردات الهند المتزايدة من الغاز المسال.. تأمين إمدادات الطاقة المستقبلية

زيادة واردات الغاز المسال

على الرغم من أن النفط الخام يظل جزءًا مهيمنًا من مزيج الطاقة في الهند؛ فقد ازدادت أهمية الغاز الطبيعي بسبب سعي البلاد إلى الانتقال نحو مصادر طاقة أنظف.

وزادت الهند من وارداتها من الغاز المسال، خصوصًا في مواجهة الطلب المتزايد على توليد الكهرباء والاستعمال الصناعي والاستهلاك المنزلي.

في يوليو/تموز 2024، استوردت الهند 2.784 مليون طن من الغاز المسال وهو رقم قياسي، بزيادة 57% عن 1.777 مليون طن استوردتها في يوليو/تموز 2023.

وجاء الارتفاع في الواردات مع ارتفاع درجات حرارة فصل الصيف في الهند؛ ما دفع الطلب على الكهرباء، خصوصًا لتكييف الهواء.

وتعكس الزيادة في واردات الغاز المسال جهود الهند للاستفادة من انخفاض أسعار الغاز المسال العالمية نسبيًا. في يوليو/تموز الماضي، بلغ متوسط ​​سعر الغاز المسال المستورد 411 دولارًا لكل ألف متر مكعب، بانخفاض طفيف عن 423 دولارًا في يونيو/حزيران الماضي، مدفوعًا بالإمدادات الزائدة في السوق.

وعُدِّل مؤشر جيه كيه إم بلاتس JKM Platts الإقليمي، الذي يتتبع الأسعار الفورية في آسيا، إلى 434 دولارًا لكل ألف متر مكعب، انخفاضًا من 450 دولارًا في يونيو/حزيران الماضي.

بعض منشآت تخزين الغاز المسال في الهند
بعض منشآت تخزين الغاز المسال في الهند – الصورة من أوفشور إنرجي

الموردون الرئيسون للغاز المسال

حافظت قطر على مكانتها بصفتها أكبر مورد للغاز المسال إلى الهند؛ حيث قدّمت 41% من واردات الغاز المسال إلى البلاد في يوليو/تموز 2024.

ويمثل هذا زيادة بنسبة 33% في الشحنات القَطرية، التي بلغت 1.128 مليون طن.

ووسّعت الولايات المتحدة حصتها في سوق الغاز المسال الهندية؛ حيث قدمت 20% من الإجمالي، مع مضاعفة الشحنات تقريبًا إلى 560 ألف طن.

ويعكس تنويع مصادر الغاز المسال في الهند إستراتيجيتها لتأمين الطاقة من مجموعة متنوعة من الشركاء، ما يقلل من اعتمادها على أي منطقة أو بلد واحد.

ومن اللافت للانتباه أنه لم تكن هناك عمليات تسليم مباشرة للغاز المسال من روسيا إلى الهند في يوليو/تموز 2024، على الرغم من الدور المهم الذي تؤديه روسيا في أسواق الغاز المسال العالمية.

ويرجع هذا الغياب جزئيًا إلى التحديات اللوجستية وإعادة توجيه صادرات الغاز المسال الروسي إلى أسواق أخرى، مثل أوروبا وجنوب شرق آسيا.

بالإضافة إلى ذلك، واجهت الهند انقطاعات في تسليم الغاز المسال من الكاميرون بصفتها جزءًا من خطة المبادلة مع شركة غازبروم الروسية للتسويق والتجارة Gazprom Marketing & Trading، التي أعيد هيكلتها مؤخرًا وأطلق عليها اسم “إس إي إف إي” SEFE.

ورفعت شركة غايل GAIL الهندية دعوى قضائية ضد “إس إي إف إي” بسبب إلغاء شحنات متعددة من الغاز المسال؛ ما زاد من تعقيد جهود الهند لتأمين إمدادات مستقرة من الغاز المسال من روسيا.

البنية التحتية للغاز المسال في الهند

يدفع اعتماد الهند المتزايد على واردات الغاز المسال إلى استثمار كبير في البنية التحتية؛ إذ تمتلك البلاد، حاليًا، 7 محطات استقبال للغاز المسال تعمل بقدرة إجمالية تبلغ 65 مليار متر مكعب سنويًا (نحو 50 مليون طن).

وبحلول نهاية عام 2024، من المتوقع أن يبدأ تشغيل محطة ثامنة للغاز المسال بسعة 7 مليارات متر مكعب؛ ما يعزز قدرة الهند على التعامل مع زيادة أحجام الغاز المسال.

من ناحيتها، تتوقّع وكالة الطاقة الدولية أن تقود الهند، إلى جانب الصين وجنوب شرق آسيا، الجزء الأكبر من الطلب العالمي على الغاز المسال في المستقبل.

ومن المتوقع أن تزيد واردات الهند من الغاز المسال بنسبة 17% في عام 2024؛ ما يزيد من دمج البلاد في أسواق الغاز العالمية ويعزز دورها لاعبًا رئيسًا في بنية أمن الطاقة في آسيا.

ثالثًا: التداعيات الجيوسياسية لإستراتيجية الطاقة الهندية

الاستقلال الإستراتيجي في أمن الطاقة

توضح العلاقات المتوسعة بين الهند وروسيا وقطر والولايات المتحدة نهجها في تحقيق الاستقلال الإستراتيجي، ومن خلال تنويع مصادر إمدادات الطاقة تعمل الهند على الحد من تعرضها لصدمات العرض وتقلب الأسعار؛ ما يضمن قدرتها على تلبية احتياجاتها المتزايدة من الطاقة دون الاعتماد المفرط على أي مورد واحد.

ويمثل التنويع في الطاقة في الهند حجر الزاوية في الإستراتيجية الجيوسياسية الأوسع؛ إذ تسعى نيودلهي إلى البقاء محايدة وعملية في علاقاتها الدولية، والانخراط مع مجموعة واسعة من القوى العالمية.

على سبيل المثال، يشير قرار دفع ثمن النفط الروسي بالروبل إلى استعداد الهند لاستكشاف بدائل للنظام المالي العالمي الذي يهيمن عليه الدولار الأميركي.

وتضع الخطوة الهند في صف دول مثل الصين التي تسعى إلى تحدي هيمنة المؤسسات المالية التي يقودها الغرب.

مصفاة نفط تابعة لشركة إيسار أويل بولاية غوجارات الغربية في الهند
مصفاة نفط تابعة لشركة إيسار أويل بولاية غوجارات الغربية في الهند – الصورة من رويترز

التحديات مع التعقيدات الجيوسياسية

على الرغم من أن شراكات الهند في مجال الطاقة تقدم فوائد اقتصادية كبيرة؛ فإنها تجلب تحديات.

وقد يؤدي اعتماد الهند المتزايد على النفط الروسي مخفض السعر إلى توتير علاقاتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اللذين سعيا إلى الحد من صادرات روسيا من الطاقة ردًا على الحرب في أوكرانيا.

وفي الوقت نفسه، تسلط الاضطرابات في عمليات تسليم الغاز المسال من روسيا والكاميرون الضوء على مخاطر الاعتماد على مصادر الطاقة المعقدة سياسيًا ولوجستيًا.

إضافة إلى ذلك؛ فإن مشاركة الهند المتزايدة في سوق الغاز المسال العالمية توفر فرصًا ولكنها تقدم نقاط ضعف محتملة.

ومع توسع دور الهند في سوق الغاز المسال؛ فقد تواجه منافسة أكبر على الإمدادات، خصوصًا من المستهلكين الرئيسين الآخرين مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية.

خاتمة

تعكس إستراتيجية الطاقة في الهند، التي تركز على صفقات النفط طويلة الأجل مع روسيا وزيادة واردات الغاز المسال، اهتمامها بضمان أمن إمدادات الطاقة في ظل المشهد العالمي المتغير بسرعة.

ومن خلال الاستفادة من مكانتها بصفتها مستهلكًا رئيسًا لإمدادات الطاقة، تضمن الهند شروطًا مواتية في عقود الطاقة لديها، مع موازنة علاقاتها الجيوسياسية مع القوى الكبرى مثل روسيا والولايات المتحدة وقطر.

وبالنظر إلى تطور المشهد العالمي للطاقة، مدفوعًا بإمدادات الطاقة (النفط والغاز التقليدية وقطاع الطاقة المتجددة المزدهر)؛ فإن قدرة الهند على تأمين موارد الطاقة طويلة الأجل وبأسعار معقولة ستكون عاملًا حاسمًا في نجاحها الاقتصادي.

وسوف يؤدي هذا دورًا محوريًا في نفوذها الجيوسياسي، سواء في المنطقة أو على الساحة العالمية.

في المقابل، تعمل إستراتيجية الطاقة الهندية -على الرغم من تعقيدها وتحدياتها- على تمكين البلاد من أن تكون لاعبًا رئيسًا في سوق الطاقة العالمية.

ومن خلال تعزيز العلاقات القوية في مجال الطاقة مع لاعبين رئيسين مثل روسيا وقطر، وتوسيع بنيتها التحتية للغاز المسال، وموازنة علاقاتها مع الغرب، تعمل الهند على ترسيخ مكانة فريدة في النظام العالمي للطاقة والمشهد الجيوسياسي.

ويعتمد نجاح الإستراتيجية على قدرة الهند على الحفاظ على مرونتها وواقعيتها وتطلعها إلى المستقبل في مشهد عالمي متشابك ومتنافس إلى حد كبير.

فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.

*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.

[ad_2]
Source link