الأستاذ المناضل ” أحمد محمد النعمان: ” كنا نبحث قبل ثورة 26 سبتمبر عن حرية القول وأصبحنا نبحث عن حرية البول “، كانت قصة النعمان ورفاقه مليئة بالدروس والعبر وينبغي ان نستفيد منها اليوم في عدم التعويل على الخارج مهما كان ذلك الخارج، لأنه لا يرى سوى مصالحة، ولا يمكن بناء الاوطان الا بالحرية والاستقلال عن التبعية.
الميدان اليمني – اليمن
تفاقمت الخلافات بين القيادات السياسية اليمنية في العاصمة صنعاء في العام 1966م وتباينت المواقف والآراء بينهما حيث قدم الأستاذ المناضل أحمد احمد النعمان مقترح ينص على تجنيب الجمهورية تبعات الصراع ” السعودي المصري ” والمطالبة بالتفاهم ضماناً لإستقرار الجمهورية الوليدة واستقلالها وصوناً وحفاظاً على الطاقات العربية وتجنيب اليمن الشمالي مزيداً من الحرب والدمار والاقتتال وسفك الدماء منذ اندلاع ثورة 26 سبمتبر 1962م بتمويل ودعم خارجي وأجنبي دفع ثمنها اليمنيين.
وعلى إثر إشتداد الخلافات بين اليمنيين قررت القيادة التوجه بوفد يضم 60 من كبار الشخصيات والقيادات العليا في الدولة للقاء الرئيس المصري جمال عبدالناصر بحكم الوجود العسكري المصري الضخم في بلادنا لمناقشة أوضاع اليمن ومحاولة حل الخلافات إلا المفاجئة كانت غير متوقعه عند وصولهم العاصمة القاهرة بتاريخ 16 سبتمبر 1966م.
كان هدف القيادات اليمنية مقابلة عبدالناصر للجلوس معه وإقناعه بعدم جدوى استمرار جمهورية مصر في دعم السلال على خلفية الصراعات والنزاعات المستمرة والتي تسببت بعرقلة الجهود للتوصل لقرار ينهي الحرب الأهلية الممولة خارجياً في اليمن.
وصل الوفد اليمني إلى مطار القاهرة وكانت البداية عدم استقبالهم من الجانب المصري فذهبت سفارة بلادنا لاستقبالهم وبعد أيام من الانتظار تم تحديد موعد للقاء نائب عبدالناصر عبدالحكيم عامر ورئيس مجلس الأمة أنور السادات بتاريخ 16 سبتمبر 1966م فذهب الوفد باستثناء النعمان الذي رفض الحضور مطالباً اللقاء بعبدالناصر.
وفور وصول القيادات اليمنية إلى مقر الإجتماع كانت الصدمة أن وزير الحربية شمس بدران في استقبالهم وممثل عبدالناصر حسن صبر الخولي والسفير المصري لدى اليمن أحمد شكري وحينها رفض الإرياني والفريق العمري وعبدالسلام صبرة البقاء وغادروا فوراً إلى المنزل الذي يقيم فيه العمري وبعدها التحق بهم باقي الوفد رفضاً للإهانة المصرية لهم ومن ثم تحركوا إلى منزل الأستاذ النعمان للجلوس معه وإطلاعه على ما حدث واتخاذ موقف جماعي .
بعد وقت قصير وصل ضباط الاستخبارات المصرية وتم اقتياد الأستاذ محمد أحمد النعمان وحسن مكي وأحمد عبده سعيد والشيخ أمين عبدالواسع نعمان إلى السجن الحربي وكان في استقبالهم مدير السجن الحربي حمزة بسيوني وبعدها تم اعتقال باقي الوفد ووضعهم في زنزانات منفرة لمدة سنة وعشرين يوما من 16 سبتمبر 1966م وحتى 6 أكتوبر 1967م وبقوا معزولين عن العالم طيلة هذه المدة ولا يعلموا أن حرباً اندلعت وانتهت وسميت بحرب النكسة 1967م هزمت فيها مصر وقرر عبدالناصر مغادرة اليمن وتم بعدها الإفراج عن قيادات اليمن.
خلال فترة بقاء القيادات اليمنية في السجن لم يكن أي سجين يعرف عن غيره شيئا، ويلاقي صنوف العذاب النفسي والجسدي ولا يتكلم مع أحد ولا يرى الشمس، ولا يعرف من أين تشرق ومن أين تغرب وكان مسؤولي السجن يرمون لهم وجبة الغداء الساعة 12 ظهراً ووجبة العشاء منتصف الليل، ولم يكن مسموح للمعتقلين الاستماع للراديوا أو قراءة الصحف.
ظل السجناء في عزلة عن العالم، وعندما فتح السجان باب زنزانة الأستاذ محمد أحمد النعمان وخاطب السجان الأستاذ النعمان كما جاء في مذكراته بالقول ” يا عم نعمان ” الفرج جاء ” قلت له هل سيخرجوننا ؟ قال لا .. جيشنا انهزام وإسرائيل في السويس والرئيس استقال وكلهم استقالوا …. وسلمه السجان إحدى الصحف للتأكد.
وقبل الإفراج عن النعمان ورفاقه بعد نكسة يونيو/حزيران 1967 فوجئ الرجل بوزير الحربية السابق في عهد عبدالناصر، شمس بدران، يقف خلفه في طابور لاستخدام حمام السجن، التفت إليه النعمان قائلاً: “كنا نطالب في العهد الملكي في اليمن بحرية القول، وها نحن اليوم في عهد عبد الناصر نطالب بحرية البول”!
يصف النعمان بعد اللقاء بزملائه المعتقلين كأننا خرجنا من القبور كل واحد يشاهد الآخر بشكل غريب وكل واحد يتحدث من جلده لا من لسانه.
كان عبدالناصر قد استقبل النعمان في منتصف ستينيات القرن الماضي عندما زار رئيس الجمهورية اليمنية،عبدالله السلال، ورئيس حكومته النعمان مصر على رأس وفد يمني كبير العدد لم يستطع الجانب اليمني التحكم في جعله ضمن حدود بروتوكول الاجتماع المشترك، وبالكاد تم الاحتفاظ بمقاعد لوزراء الجانب المصري الذي ترأسه عبدالناصر بالطبع.
قبل بدء اللقاء حينها التمس النعمان من عبدالناصر الإفراج عن مواطن يمني عادي سُجِن في مصر، فاستجاب عبدالناصر لإلتماس “الأخ” النعمان طالباً منه “عدم ضم السجين المفرج عنه إلى الوفد عشان ما عندناش كراسي كفاية !”.
وهذه هي قصيدة الأستاذ أحمد محمد النعمان عن السجن :
ماكنت أشكو منه أصبح غاية / نسعى لها سعياً وفيها نطمع
يرمى السجين لوحده في غرفة/ هي من عقاب الجو حقاً أمنع
الباب يغلق دونه ومراقبٌ/ من خلف هذا الباب لايتزعزع
يلهو ويعبث والسجين كأنه / قرد يقهقه أو صغير يرضع
يتصامم النذل اللعين نداءنا/ وإذا قرعنا الباب هاج ينقرع
لايفتحن الباب إلا عندما/ يرمي الطعام لقرده ويودع
أو حين يدعوه المحقق فجأة/ يرويه من ماء الوعيد ويشبع
أو حين يخرجه ويمسك أذنه/ ويجره بيدٍ وأخرى تصفع
يجري به جرياً إلى مرحاضه /لاينطقن ولايرى أو يسمع
يلقيه في المرحاض يفرغ مابه /ويظل ينصت للسعال ويقرع
نفسُ السجين كصوته وأنينه/ الكل يحظره الرئيس ويمنع
حظروا عليه أنينه وبكاءه/ لايشتكي شيئاً ولايتوجع
حظروا عليه قراءة وكتابة/ ليظل في ظلماته يتلوع
أما الصلاة مع الدعاء فإننا/ ندعو الإله على الدوام ونركع
وقراءة القرآن من أذهاننا/ نجترها ونلمها ونرقع
وشوارد نظماً ونثراً في الحجى/ ماتت وأشتات نيام هجع
ثارت من الأعماق دون إثارة/ ولساننا يشدو بها ويرجع
فالنفس حيث صفت تألق نورها/فكأنها الشمس المنيرة تسطع
وإذا الخفايا في عميق بحارها/ متصاعدات سابحات شرع
جادت بما خزنت وفاض معينها/فبحارها أغنى البحار وأوسع
أسماء الوفد اليمني الذين تم اعتقالهم في السجون المصرية لمدة عام وعشرين يوماً وهم على النحو التالي : ـ
1 ـ الفريق حسن العمري نائب رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة
2 ـ القاضي عبدالرحمن الإرياني عضو المجلس الجمهوري
3 ـ أحمد محمد النعمان عضو المجلس الجمهوري
4 ـ القاضي عبدالسلام صبره عضو المجلس الجمهوري ونائب رئيس الوزراء
5 ـ الدكتور حسن مكي وزير الخارجية
6 ـ محسن السري وزير الاقتصاد
7 ـ أحمد عبده سعيد مستشار رئيس الحكومة
8 ـ محمد الخالدي وزير التربية والتعليم
9 ـ محمد الحجي وزير العدل
10 ـ الشيخ أمين عبدالواسع نعمان وزير الزراعة
11 ـ العميد حسين الدفعي وزير الداخلية
12 ـ عبدالكريم العنسي وزير المواصلات
13 ـ محمد لطف الصباحي وكيل وزارة الإدارة المحلية
14 ـ صالح محسن رئيس مصلحة الأملاك
15 ـ العقيد علي سيف الخولاني رئيس أركان حرب الجيش اليمني
16 ـ العقيد لطف العرشي مساعد رئيس أركان حرب الجيش اليمني
17 ـ العقيد عبود مهدي قائد سلاح المظلات
18 ـ العقيد محمد تلها مدير الأمن العام
19 ـ العقيد علي القباطي قائد السلاح الجوي
20 ـ العقيد أحمد طاهر مدير الشؤون العامة والتوجيه
21 ـ المقدم محمد الخاوي قائد سلاح المدفعية
22 ـ المقدم محمد الإرياني وكيل أركان حرب الجيش
23 ـ المقدم حسين المسوري قائد سلاح المشاة
24 ـ المقدم يحيى المتوكل مدير المنشآت التعليمية العسكرية
25 ـ المقدم إبراهيم الحمدي قائد لواء البيضاء
26 ـ المقدم محمد الانسي قائد سلاح الإشارة
27 ـ المقدم علي قاسم المؤيد رئيس مكتب المراقبة والمتابعة
28 ـ المقدم يحيى مصلح قائد فروع التدريب العسكري
29 ـ المقدم أحمد الناصر مدير فرع الاستطلاع
30 ـ المقدم درهم أبو لحوم قائد الشرطة العسكرية
31 ـ المقدم محمد أبو لحوم قائد فوج المدرعات
32 ـ المقدم أحمد المتوكل مدير فرع الضباط
33 ـ المقدم محمد الثلايا قائد مدرسة المدفعية
34 ـ المقدم هاشم عنقاد رئيس الشؤون الفنية ـ فرع المدرعات
35 ـ المقدم حسين شرف محافظ لواء البيضاء
36 ـ المقدم حسين ضيف الله قائد حرس رئيس الحكومة
37 ـ الرائد علي الواسعي قائد فرقة الأمن المركزي
38 ـ النقيب أحمد دويد الشؤون الفنية ـ فرع المدرعات
39 ـ النقيب عبداللطيف دويد من سلاح المدفعية
40 ـ النقيب سعد الخميس مدير مكتب قائد سلاح المدفعية
41 ـ الملازم منصور محمد أحمد من سلاح المظلات
ويضم الوفد عدد من المدنيين كمرافقين.