أنس الحجي: قبل أوبك لم تكن هناك أسعار للنفط.. وهذه قصة تأسيسها في بغداد وليس القاهرة

قبل عام من تأسيس منظمة أوبك، وتحديدًا في عام 1959، وفي حين كان الدكتور عبدالله الطريقي يدرس مع الفنزويلي ألفونسو بيريز تأسيس المنظمة، كانت شركات النفط الأجنبية المالكة للامتيازات في الدول المنتجة تخفّض الأسعار.

ويوضح مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، أن المشكلة في ذلك الوقت تمثّلت في أن هذه الشركات المالكة للامتياز كانت متكاملة رأسيًا.

ويعني ذلك أن الشركة نفسها هي من تستكشف النفط، وإذا وجدته تستخرجه ثم تشحنه إلى مصافيها، وبعدها توزعه على محطات البنزين التابعة لها، لذلك فهي تملك كل شيء من البداية إلى النهاية.

ومن ثم، فإنه لا يوجد سعر محدد للنفط، ولم تكن هناك -أيضًا- سوق للنفط، لأن النفط الخام لم يكن سوى مادة وسيطة، والبشر لا يشترون النفط الخام، إنما يشترون المنتجات النفطية المستخرجة منه، لذلك لم يكن للخام سعر محدد.

جاء ذلك خلال حلقة من برنامج “أنسيّات الطاقة“، قدّمها الدكتور أنس الحجي على مساحات منصة “إكس” (تويتر سابقًا)، بعنوان “أوبك في عامها الـ64.. التحول إلى أوبك+ وتحديات سياسات التغير المناخي”.

أسعار النفط قبل أوبك

قال مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة الدكتور أنس الحجي، إنه قبل تأسيس أوبك لم تكن هناك أسعار للنفط، في حين كانت الدول المنتجة تريد أن تحصل على حصتها من الأرباح التي تجنيها الشركات وكذلك تحصيل الضرائب.

لذلك، جرى الاتفاق على شيء اسمه “السعر المعلن”، وهو سعر لا علاقة له بالسوق على الإطلاق، فهو السعر الذي اتفقت عليه الحكومات مع الشركات، كأن يجري تحديده بدولارين مثلًا، وتدفع الشركات الضرائب على هذين الدولارين.

أسعار النفط

ولكن، وفق الدكتور أنس الحجي، خفّضت الشركات الأسعار في السوق، وبناء على هذا الانخفاض الكبير، قالت للدول إنها لا تستطيع دفع ضرائب على السعر المعلن، ولكن الدول المنتجة أدركت أن التخفيض كان مقصودًا وليس نتيجة الأوضاع السيئة، فرفضت وحينها حدثت مشكلات كثيرة.

وأضاف: “ما حدث كان تاريخًا طويلًا، إذ كانت هناك نقاشات وحوارات ولقاءات، وعقد الوزير ابن سليمان لقاءات عديدة مع شركات النفط، وحينها هددت (أرامكو الأميركية) بالخروج من السعودية، وهددها الوزير بالطرد، ولكن كان واضحًا أن الملك عبدالعزيز -رحمه الله- لا يريد البريطانيين”.

ولفت الحجي إلى أن الفنزويليين -في الوقت الذي عاد فيه الوزير ألفونسو بيريز وحاول إنشاء أوبك واتصل بالدكتور عبدالله الطريقي– حققوا تقدمًا كبيرًا في مباحثاتهم مع الشركات، ووصلوا إلى تقسيم الأرباح بالنصف، ويُفصل الريع عن الأرباح.

وشرح الحجي الريع بأنه مقابل للحفر في أراضي الدولة واستخراج النفط منها، موضحًا أنه تاريخيًا كان 12%، ولكن مع الزمن تغيّر من دولة إلى أخرى، وهو حق للدولة المنتجة دون أن تقدم مالًا أو أي شيء، فقط هو مقابل السماح بالتنقيب عن النفط على أراضيها.

وأشار إلى أن الشركات كانت تحتسب هذا الريع ضمن الأرباح، ومن ثم كانت تلعب على الدول المنتجة، ولكن عندما اكتشفت فنزويلا اللعبة فصلت الريع عن الأرباح، وهنا وقع الفنزويليون في مأزق، إذ تزيد الاكتشافات بالعالم العربي، والشركات تحول استثماراتها إلى الشرق الأوسط.

النفط الفنزويلي

وهناك، وفق الدكتور أنس الحجي، انزعج الفنزويليون، وقررت حكومتهم -التي صوّتت لصالح إسرائيل- بكل عنجهية إرسال وفد لتعليم العرب، فلم تستقبلهم أي دولة عربية، والمكان الوحيد الذي جرى استقبالهم به هو إيران.

وتابع: “ذهبوا إلى إيران وصدقهم محمد مصدق، وحدثت الثورة في إيران وتأميم النفط، ثم حصل انقلاب، ومن يومها إلى الآن ما زالت إيران (خربانة)، لذلك دائمًا ما أقول إن الفنزويليين خربوا بيت الإيرانيين”.

كيف تأسّست منظمة أوبك؟

قال خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، إن عدم استقبال الفنزويليين في العالم العربي كان له جانب جيد، في حين تواصل ألفونسو بيريز مع عبدالله الطريقي في مايو/أيار 1960، وكانت الأفكار متبلورة بالكامل.

وأضاف: “المباحثات في القاهرة، رغم أن مصر لم تكن دولة نفطية، ولكن بسبب وجود جمال عبدالناصر وزعامة العالم العربي حينها، كانت كل الأمور التي كانت تتعلّق بالنفط تُجرى اجتماعاتها في القاهرة”.

مؤسس أوبك ألفونسو بابلو بيريز
مؤسس أوبك ألفونسو بابلو بيريز في أثناء عودته إلى فنزويلا

ولفت الدكتور أنس الحجي إلى أن اللقاء الذي جمع بيريز والطريقي كان في أميركا؛ إذ استقلا سيارة ابن ألفونسو بيريز إلى تكساس، وحينها كان المنتجون المستقلون الأميركيون منزعجين جدًا من حكومتهم، وكانوا منزعجين من شركات النفط.

وتابع: “انزعاجهم كان من الشركات نفسها التي تزعج الطريقي وألفونسو بيريز، لذلك رحّبوا بهم بصورة كبيرة، وكانا نجمي مؤتمر على مدى يومين، وجرى إعلان تأسيس أوبك في مايو/أيار 1960.

ولكن، وفق الحجي، كان التوقيع الرسمي لإنشاء منظمة أوبك في سبتمبر/أيلول من العام نفسه، بعد اجتماع في المدة بين 9 و14 سبتمبر/أيلول 1960، لذلك يُعد هذا الأسبوع هو الميلاد الرسمي للمنظمة”.

وأوضح أن هناك إشكالية أخرى تمثّلت في أن كل الاجتماعات كانت في القاهرة، والمفروض أن يجري تأسيس أوبك في القاهرة، ولكن الخلاف الكبير بين الحكومتين المصرية والعراقية -آنذاك- نقل مكان الاجتماع إلى بغداد.

كلمة الدكتور عبدالله الطريقي خلال إعلان تأسيس منظمة أوبك
كلمة الدكتور عبدالله الطريقي خلال إعلان تأسيس منظمة أوبك

أثر الخلافات السياسية في أوبك

قال مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة الدكتور أنس الحجي، إن توقيع ميلاد أوبك أو وثيقة تأسيسها جرى في بغداد بدلًا من القاهرة، بسبب الخلافات السياسية بين البلدين، مشيرًا إلى أنه بمراجعة تاريخ المنظمة يتضح أن الخلافات السياسية منذ ذلك الوقت مستمرة حتى الآن بصورة كبيرة.

وأردف: “هناك الحرب العراقية الإيرانية، وهي بين بلدين عضوين في أوبك، وكذلك الغزو العراقي للكويت، وكلاهما عضو في أوبك، وهناك الخلافات بين قطر والسعودية، والخلافات بين دول الخليج وليبيا، لكن البذرة جاءت منذ البداية عندما تأسّست المنظمة في بغداد بدلًا من مصر بسبب الخلافات السياسية”.

أوبك والنفط

الأمر الآخر، وفق الدكتور أنس الحجي، أن الدول المؤسسة لمنظمة أوبك، كانت 5 دول، منها 3 عربية في الخليج، وهي السعودية والكويت والعراق، بالإضافة إلى إيران وفنزويلا، وعندما وقّعت هذه الدول على الاتفاق، كل منها كانت لها مصلحة تختلف عن الآن.

وأضاف: “موافقة شاه إيران على تأسيس المنظمة كانت وراءها مصلحة مختلفة عن دول الخليج، أي أن بذور الشقاق موجودة منذ البداية.. لذلك، عند الحديث عن أوبك لاحقًا للشباب الذين سيأتون ويطلعون على الجزء الأخير، فإن من إنجازات أوبك أنها ما زالت موجودة حتى الآن رغم بذور الشقاق”.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.


Source link

شارك هذا الخبر