ليست مجرد تكهنات.. “الطارق” مذنب ضخم يقترب منا خلال الساعات القادمة وفقا لطرح علمي دقيق.. فمتى ستكون الضربة المقبلة لإنهاء الحياة على الأرض؟

خلال الأسبوع الأول من شهر سبتمبر/أيلول 2023، اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي جدلا حول مذنب جديد قادم من الفضاء السحيق ليمر قريبا من الأرض قبل أن يستكمل رحلته إلى الغياهب الخلفية من المجموعة الشمسية، على أن يعود مرة أخرى ليزور الأرض بعد نحو 435 سنة، في وقت لن نكون فيه موجودين لنلوح له أو نتذكر أنه كان هنا، لذا حرص هواة التصوير الفلكي في كل مكان بالعالم تقريبا على التقاط صور للمذنب ونشرها على وسائل التواصل.

يُسمى المذنب “نيشيمورا” (Comet C/2023 P1 Nishimura) على اسم مكتشفه، وهو هاوي الفلك الياباني هيديو نيشيمورا، الذي لاحظه قبل نحو شهر من الآن تقريبا، وبعد حساب مداره تبين أنه سيمر قرب الأرض على مسافة قُدِّرت بين 120-130 مليون كيلومتر، ما يجعله هدفا سهلا للتصوير الفلكي، بل والرصد بالتلسكوبات والمناظير المعظمة.

لكن في هذا السياق نشأت على الجانب الأخر موجة جدل مرتفعة تتحدث عن “الكوكب ذي الذنب”، وهو اصطلاح عربي ظهر في السنوات العشر الأخيرة (مع اصطلاحين آخرين هما “النجم الطارق” و”كوكبُ سقر”) ليشير إلى “الجرم الذي سيمثل نهاية العالم”، الذي يمكن أن يصطدم مباشرة بالأرض صانعا حدثا يشبه في قوته ما حصل للديناصورات قبل نحو 66 مليون سنة، صنع الاصطدام الذي حصل آنذاك ما نعرفه الآن باسم فوهة تشيكشولوب في شبه جزيرة يوكاتان في المكسيك، مما تسبب في إبادة الديناصورات وانقراض نحو 75% من صور الحياة على كوكب الأرض، وسمي انقراض العصر الطباشيري الباليوجيني.

أضف إلى ذلك نقطة أخرى مهمة تتعلق بتصور البعض أن مرور المذنبات على الأرض بات يحدث بمعدلات أكبر من الماضي، لكن ذلك خاطئ أيضا، فالمذنبات تمر من حين إلى آخر كل سنة، ولكن ما حصل هو أن أدوات التصوير والرصد الفلكي أصبحت أكثر انتشارا، وباتت وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة لنقل أخبار المذنبات وصورها بسهولة جمة، قارن ذلك بالتسعينيات مثلا، حين لم نسمع إلا عن مذنب “هالي بوب” سنة 1997، الذي مثَّل وقتها مشهدا مدهشا لسكان الأرض، حيث تمكن الناس من رؤيته بوضوح وبالعينين المجردتين.

لكن ذلك بدوره ربما يطرح سؤالا مهما: متى ستكون الضربة القادمة على أية حال؟ والإجابة هي أن ذلك يحدث كل يوم في الحقيقة، فشظايا الصخور الفضائية موجودة في كل مكان في الفضاء، ووفقا لوكالة ناسا، يضرب نحو 48.5 طنا من النيازك الأرض يوميا، لكن معظم هذه القطع الصخرية صغير مثل حبة الرمل، وتحترق تماما فور دخولها الغلاف الجوي للأرض، ولكي تتمكن قطعة من الصخور الفضائية من الوصول إلى الأرض يجب أن يبلغ عرضها نحو 5 أمتار على الأقل عندما تدخل إلى الغلاف الجوي.

ربما لم تسمع في 2013 عن نيزك “تشيليابينسك” الذي دخل إلى الغلاف الجوي للأرض فوق منطقة الأورال الجنوبية في روسيا يوم 15 فبراير/شباط (الساعة 03:20 بتوقيت غرينتش). بلغ قُطر الجرم الساقط نحو 18 مترا ووزنه 9100 طن، وقد احترق في الغلاف الجوي متسببا في كرة من الضوء كانت أكثر سطوعا من الشمس لفترة وجيزة، وصنعت سحابة ساخنة من الغبار والغاز توغلت إلى مسافة 26.2 كم في الغلاف الجوي، أمكن رؤية هذا الحدث على مسافة تصل إلى 100 كيلومتر، كما أفاد بعض شهود العيان أنهم شعروا بحرارة بسبب الكرة النارية.

يُعَدُّ تشيليابينسك هو أكبر جسم دخل الغلاف الجوي للأرض منذ حدث تونغوسكا عام 1908، وكان انفجارا لأحد النيازك (بقُطر 50-60 مترا) في الغلاف الجوي بقوة 12 ميغا طن تقريبا (أقوى بألف ضعف تقريبا من القنبلة النووية التي ضربت هيروشيما)، وقد وقع في منطقة نائية جنوبي مقاطعة كراسنويارسك كراي الروسية في صباح يوم 30 يونيو/حزيران. أدى الانفجار إلى تدمير ما يُقدَّر بنحو 80 مليون شجرة على مساحة 2150 كيلومترا مربعا من الغابات، وأشارت تقارير شهود العيان إلى أن الانفجار أعقبته هزات أرضية قوية وموجة ضغط دفعت الناس إلى الهواء، وأن ثلاثة أشخاص على الأقل ربما لقوا حتفهم في هذا الحدث.

لو سقط على الأرض لأحدث نيزك تونغوسكا فوهة بقُطر أكبر قليلا من كيلومتر واحد، ولو انفجر أعلى منطقة مزدحمة بالسكان لدمر عددا من المدن وتسبب في مقتل الآلاف، هو أكبر حدث اصطدام على الأرض في التاريخ المسجل، لكن رغم ذلك فقد حدثت اصطدامات أكبر بكثير في عصور ما قبل التاريخ، وربما في تلك النقطة قد تسأل: ما حجم الكويكب الذي يمكن أن يترك تأثيرا كارثيا على كوكب الأرض ويؤدي ربما لإنهاء الحضارة الإنسانية؟

حسنا، يعتمد حجم الصخرة الفضائية التي يمكن أن تُحدِث تأثيرا كهذا على عوامل مختلفة، بما في ذلك تكوينها (الكثافة وبالتبعية الكتلة والمادة المصنوعة منها) وسرعتها وزاوية دخولها إلى كوكب الأرض ومكان اصطدامها، ولكن عموما يُعتقد أن كويكبا أو مذنبا يبلغ قطره نحو 10 كيلومترات أو أكبر يمكن أن يسبب عواقب كارثية على نطاق عالمي.

مثل هذا التأثير من شأنه أن يطلق كمية هائلة من الطاقة تعادل ملايين القنابل النووية في وقت واحد. وهذا من شأنه أن يسبب دمارا واسع النطاق ومن المحتمل أن يمحو دولا بأكملها خلال الدقائق الأولى، مع موجة صدمية ونشاط زلزالي ينتشر عبر العالم، ثم عدد من العواصف النارية وأمواج تسونامي، إلى جانب ذلك سيؤدي الاصطدام إلى قذف كمية هائلة من الغبار والصخور والحطام إلى الغلاف الجوي. ومن شأن هذه المواد أن تحجب ضوء الشمس لفترة طويلة، مما يؤدي إلى انخفاض كبير في درجة الحرارة في جميع أنحاء العالم. يمكن أن يؤدي اصطدام كويكب بهذا الحجم إلى انقراض جماعي لمختلف الأنواع النباتية والحيوانية، والبشر كذلك.

لكن عند هذه النقطة ندعوك لتتحلَّى ببعض الطمأنينة، فكلما ازداد حجم الكويكب أو المذنب كانت الاحتمالات أقل بفارق واسع. هناك علاقة عكسية بين حجم الجسم وتكرار مثل هذه الأحداث، يعرف العلماء ذلك عن طريق فحص سجل الفوهات القمرية، الذي يوضح أن تواتر الاصطدامات يتناقص بمقدار مكعب قُطر الحفرة الناتجة، الذي يتناسب في المتوسط مع قُطر الجرم المرتطم، ولاختصار التعقيد الرياضي السابق فإن الكويكبات التي يبلغ قُطرها كيلومترا واحدا يُحتمل أن تضرب الأرض كل نحو 500 ألف إلى مليون سنة في المتوسط، أما الأجسام التي يبلغ قطرها 5 كيلومترات فيمكن أن تضرب الأرض مرة واحدة تقريبا كل عشرين مليون سنة، والأجسام التي يبلغ قطرها 10 كيلومترات يمكن أن تصطدم بالأرض مرة كل نحو 100 مليون سنة.

في الواقع كان فريق من علماء الفلك قد أجرى قبل عامين فحصا شاملا للكويكبات الكبيرة (كيلومتر واحد على الأقل) عبر فحص مواقع ومدارات الأجسام القريبة من الأرض المعروفة، التي فهرسها مركز الكواكب الصغيرة في مرصد سميثسونيان للفيزياء الفلكية الممول من وكالة ناسا، وحددوا أن الأرض ربما لن تصطدم بأيٍّ منها قبل 1000 عام على الأقل.

هذا بالطبع لا ينفي أنه يمكن أن توجد كويكبات خارج هذه الفهارس، لكن العلماء في هذا النطاق يطورون من أدواتهم، ورغم أن العثور على الأجرام الخافتة القريبة من الأرض هو بمنزلة البحث عن إبرة في كومة قش، فإن العالم حاليا يحتوي على عدد كبير من مراصد المسح السماوي المتخصصة في إيجاد هذه الأجرام، وعلى عكس غالبية التلسكوبات العادية التي تمتلك مجال رؤية ضيقا وتكبيرا عاليا، فإن تلسكوبات المسح تتمتع بمجال رؤية واسع لمسح السماء بأكملها في فترة زمنية معقولة مع حساسية كافية لالتقاط الأجسام الخافتة القريبة من الأرض.

في الواقع، بالنسبة للكويكبات الأكبر حجما من 100 متر ووصولا إلى كيلومتر واحد، يمكن لتلك المسوحات رصدها قبل سنوات من الاصطدام، وحاليا فنحن على مقربة من إنشاء أول برنامج لحماية الكوكب، ففي أكتوبر/تشرين الأول الماضي أظهر تحليل البيانات التي حصل عليها فريق التحقيق في “اختبار إعادة توجيه الكويكب المزدوج”، اختصارا “دارت” (DART) التابع لناسا، أن المهمة قد نجحت بالفعل في هدفها المرجو، وهو تغيير مسار الكويكب “ديمورفوس”، الذي يبلغ عرضه نحو 160 مترا ويقع من الأرض على مسافة 11 مليون كيلومتر. هذه هي المرة الأولى التي تُغير فيها البشرية عمدا حركة جسم سماوي. بالطبع لا تزال هذه التكنولوجيا بدائية، لكنها تتطور يوما بعد يوم.

في كل الأحوال، سيمر نيشيمورا في أقرب نقطة له من الأرض يوم 13 سبتمبر/أيلول القادم بأمان تام، وسيأتي مثله الكثير خلال العقد القادم والذي يليه، لكنَّ واحدا من هذه الأجرام ربما سيأتي بعد زمن بعيد جدا، وسيتخذ مسارا تصادميا مع الأرض مباشرة، نتمنى أن نكون متجهزين للحدث آنذاك بتقنيات تتمكن من تحييد أثره، وإلا فإنها النهاية.

المصدر: الجزيرة نت

شارك هذا الخبر

شاهد أيضاً

من صنعاء إلى فلسطين.. حالة مطرية مرعبة وغير مسبوقة تغطي مناطق واسعة من الشرق الأوسط خلال الساعات القادمة

نشرت مراكز الطقس وخبراء الارصاد توقعات بحالة مطرية واسعة تمتد الى مناطق واسعة من الشرق …