يمنيان ينجحان في استحداث أول سطح أخضر في العاصمة.. “تجارب الزراعة بدون تربة” ربح وفير وتكاليف أقل.. صور

بدأ اليمني شرف النجار مشروع زراعة سطح أخضر يُعتبر الأول من نوعه في صنعاء، وذلك على سطح منزله في حي حده، وسط العاصمة اليمنية، بعد عدة تجارب ودراسات استطلاعية، وعبر استخدام تقنية الزراعة المائية.

يقول شرف النجار، صاحب أول سطح أخضر في اليمن: “أزرع الخضروات على سطح منزلي في حي حده، وسط مدينة صنعاء، مستخدماً تقنية الزراعة المائية، والتي توفّر لي نسبة 90 في المائة من المياه المستخدمة في الزراعة التقليدية، إضافة إلى كمية الإنتاج التي تفوق أضعاف الزراعة التقليدية”.

ويضيف النجار: “الزراعة المائية تنمو سريعاً وهي غير مكلفة، ويمكنك أن تزرع أكثر من صنف دون استهلاك كثير من الأسمدة التي تحتاجها الأرض، فالحشرات بالزراعة المائية تكاد تكون منعدمة مقارنة بالزراعة في التربة، وكذلك تكون الخضار نظيفة ولذيذة”.

أما شيماء فؤاد فتقول إنّ “الفكرة تبلورت من خلال تساؤلاتنا في البداية، لماذا الزراعة مقتصرة على الأرياف ونحن في المدن مستهلكون فقط؟ هل يمكن أن نزرع ونكتفي ذاتيا؟ هذه التساؤلات دفعتنا إلى ثلاث سنوات من البحث والاطلاع على الدراسات والتجارب الناجحة لبعض المزارع المائية في العالم”.

وتتابع: “في أغسطس/آب الماضي، نجحنا في زراعة أول سطح أخضر يعمل بنظام الزراعة المائية، حيث ينمو الزرع في الماء بدون تربة، وكانت الأنابيب البلاستيكية هي الأفضل، حيث توضع النباتات فيها، ويضخ عبرها الماء والمغذيات”.

وتوضح قائلة: “أصبحنا نأكل مما زرعنا على سطح المنزل، وبدأنا بمشاركة تجربتنا على وسائل التواصل لتعم الاستفادة، وكانت هناك استجابة كبيرة من الناس، وأصبحت المزرعة مزاراً على مدار اليوم، وبدأنا بإقامة دورات تدريبية على الزراعة المائية لبعض الأسر، وخلال أشهر سيكون هناك العديد من الأسطح الخضراء في صنعاء”.”

التجارب الاولى رسميا وشعبيا:

وربما لم تكن تلك هي التجربة الاولى بل سبقها تجارب منذو سنوات ونورد هنا معلومات مفيدة عن موضوع الزراعة المائية الزراعة بدون تربة.

مزرعة مائية في عمران اليمن

في العام 2013، تم ادخال نظام الزراعة المائية إلى اليمن لأول مرة.

ونستقصي في هذا المقال اعتمادا على تقرير «حلم أخضر» قصة أول زراعة مائية بدون تربة في اليمن، وكيف استطاع فلاحان يمنيان قبل 8 سنوات، إدخال هذه التقنية الى ريف محافظة عمران شمال العاصمة صنعاء، وكيف واجهوا الصعوبات؟ وكيف حققوا ذلك النجاح الاستثنائي وغير المسبوق.

الزراعة المائية: لمحة تاريخية

لا تعتبر الزراعة المائية (الهيدروبونيك) حديثة النشأة، فقبل ألاف السنين، وُصفت الزراعة المائية في الكتابات المصرية القديمة، وفي حدائق بابل المعلقة، والحدائق العائمة في حضارة “الازتيك” بالمكسيك.

وفي القرن الـ 18، اكتشف باحثو فسيولوجيا النبات أن هذا النظام (الهيدروبونيك) يمتص المغذيات المعدنية الأساسية على شكل ايونات عضوية ذائبة في الماء.

وفي العام 1940، أدخلت الزراعة المائية بدون تربة الى النطاق التجاري، وأصبحت منذ ذلك التاريخ، تحتل مرتبة متقدمة بين أنماط وأنواع الزراعات الأخرى في العديد من دول العالم.

وتعد الزراعة المائية (Hydroponics) تقنية يتم استخدامها لنمو النباتات في محاليل التغذية، التي تمدها بكل ما تحتاجه من العناصر الضرورية والمغذية، من أجل النمو بصورة طبيعية.

وتعرف الزراعة بدون تربة بأنها مجموعة نظم لإنتاج المحاصيل بواسطة محاليل معدنية مغذية فقط، عوضاً عن التربة التي تحتوي على الطمي والطين. ويوجد العديد من اشكال الزراعة المائية أو الزراعة بدون تربة، والتي تختلف على حسب حركة المياه حول الجذور ما بين ساكن ومتحرك. (2)

وفقاً للمصادر، اهتم العلماء بتقنية الزراعة من دون تربة، بعد ظهور الكثير من المشاكل المتعلقة بالتربة من أمراض، وزيادة الملوحة. وبدأ الباحثون في العلوم الزراعية البحث عن حلول بديلة لاستخدام التربة كوسيط لتربية النبات.

ومن الحري الإشارة، إلى أن جميع النباتات تقريباً، تنجح زراعتها بدون تربة، إلا أن بعض النباتات تنجح زراعتها مائياً أكثر من غيرها، مثل: الخس، الطماطم، الأعشاب كالبقدونس، والريحان، وغيرها.

الزراعة المائية في اليمن
على النطاق الوطني، ليست هناك برامج رئيسية للقطاع الزراعي لنشر وتكريس ثقافة الزراعة المائية في اليمن. لكننا استطعنا تعقب تجارب فردية جديرة بالاهتمام، قام بها مزارعين وساندهم مختصين بجهود ذاتية، وقد نجحت تلك التجارب في صنع مزارع مائية مُنتجة في اليمن.

في العام 2013، بدأت تجربة الزراعة المائية في اليمن، من قبل الأخوين: عثمان سودان، وسلطان سودان؛ من قرية “آل سودان” في مديرية ذيبين بمحافظة عمران، تبعد 50 كم عن صنعاء.

تقول القصة، أن فكرة تطبيق الزراعة المائية خطرت ببال عمهم إبراهيم حُميد، الذي يقيم حالياً في دولة الامارات، فقد عرضَ الحاج إبراهيم، الفكرة على أبناء أخيه عثمان وسلطان لتنفيذها في بلدتهم الريفية.

تحمسَ الأخوين “سودان” لتنفيذ التجربة، وعلى الفور أرسل لهم العم إبراهيم، كافة المواد والمعدات المخصصة لنظام الزراعة المائية. قام الأخوين بتعديل البيت المحمي الذي كانوا يملكونه بالسابق، ليتناسب مع معايير الزراعة المائية. وشرعوا بتركيب المعدات، ومنظومة الزراعة المائية في البيت المحمي.

وبعد الانتهاء من تأسيس المشروع الجديد، بدأ الأخوين عثمان وسلطان، أول تجربة للزراعة المائية، وبدأوا بزراعة محصول الطماطم. لكنهم واجهوا مشاكل وصعوبات كثيرة، كادت تدفعهم للتخلي عن هذا النظام. والعودة لنظام الزراعة التقليدية بالتربة.

في حديثه مع (حلم اخضر)، يروي عثمان سودان (35 عاماً) وهو حاصل على البكالوريوس في الهندسة المدنية، تفاصيل تلك التجربة بشغف.

ويقول عثمان: «في البداية زرعنا أول محصول طماطم، وواجهنا صعوبات كثيرة نتيجة عدم الخبرة، وبرغم الاستعانة بفنيين ومختصين في الزراعة المحمية من مكتب الزراعة بمحافظة عمران، لكن لم يكن لديهم خبرة في مجال الزراعة المائية ولهذا لم نحقق أي ربح، بل خسرنا تكاليف موسم كامل وأكثر».

أثناء ما كان عثمان وأخيه سلطان سودان، في غمرة تلك المشاكل مع الزراعة بالنظام المائي، كان المهندس وجيه المتوكل، أحد خبراء محطة البحوث الزراعية، (مدير عام وقاية النبات بوزارة الزراعة حالياً) كان يعمل آنذاك رئيس قسم الوقاية بمحطة البحوث الزراعية لمناطق المرتفعات الشمالية، وكان يتولى الاشراف على تنفيذ الزراعة المائية التجريبية التابعة لمشروع شبة الجزيرة العربية.

وعقب تنفيذ هذه التقنية في ذلك المشروع، كانت محطة البحوث الزراعية تنوي تعميم التقنية المائية على

الفلاحين اليمنيين في مناطق ملائمة. لكن المزارعين المستهدفين لم يتقبلوا تلك التقنية، ولعل تجربة الأخوين سودان كانت مثال رادع لمن ينوي المغامرة.

توسعة جديدة لمزرعة بن سودان/ تصوير: حلم اخضر

إنقاذ مزرعة الأخوين سودان

سمع المهندس وجية المتوكل، بقصة الاخوين سودان، من خلال تقصي إدارة المشروع التجريبي للزراعة المائية، وحين التقى بهما. كان الأخوين عثمان وسلطان في حالة احباط نتيجة اخفاقهم في تجربة الزراعة المائية وتعرضهم لخسارة المحصول، وكانوا بحاجة للمساعدة في ايجاد الحل.

يقول المهندس وجيه: «حين قام خبراء المشروع بزيارة لمحطة البحوث الزراعية، للاطلاع على نتائج نجاح الوحدة التجريبية، قدموا حينها توصيتهم بتعميم التجربة على المزارعين، لكن المزارعين اليمنيين تخوفوا من تطبيق تلك التقنية، كنا نبحث عمن قاموا بتنفيذ التجربة، وبعد بحث وتقصي التقيت بالمزارع سلطان وأخوه عثمان في نهاية العام 2014، في قرية “آل سودان” ووجدت أن لديهم بيت محمي مجهز بالكامل بنظام الزراعة المائية، لكنهم كانوا في حالة يأس واحباط شديد، جراء الخسائر التي تكبدوها بسبب قلة الخبرة».

عقب ذلك اللقاء، نصحهما المهندس وجيه، باستبعاد المحصول الأول، والقيام بزراعة نبات الخيار. وأشرفَ بنفسه على نجاح تقنية الزراعة المائية لدى الأخوين سودان، قاما الأخوين سودان بتجربة تلك النصيحة، وكانت النتيجة مدهشة للغاية.

ويقول عثمان: «كانت اول زيارة للمهندس وجيه المتوكل في شهر ديسمبر العام 2014، وقت ما كان محصول الطماطم تحت الزراعة المائية في حالة ضعف شديد، ونقص في العناصر المطلوبة، والعديد من المشاكل الناتجة عن خلل في إدارة النظام المائي، ونقص الخبرة في مكونات المحلول الغذائي».

الزراعة: تأهيل 12 متدرب

ويروي المهندس وجيه المتوكل، مدير عام وقاية النبات بوزارة الزراعة، تفاصيل انطلاق تلك التجربة، وحيثيات التدريب من أجل تعميم الزراعة المائية في الأقاليم الزراعية اليمنية.

يقول المهندس وجيه لـ (حلم اخضر): «في العام 2010، كنت المنسق في مشروع شبة الجزيرة العربية للزراعة المحمية – ايكاردا، وفي العام 2013 تم تركيب وحدة زراعة مائية تجريبية في المزرعة البحثية للمحطة الشمالية، وقد قمت بتعديلها لتحاكي البيئة اليمنية».

«قمنا بطلب تدريب مختصين بهدف ادخال وتعميم هذه التقنية الزراعية، وتم تأهيل 12 متدرباً من مختلف الأقاليم الزراعية في اليمن. وقد عقدت الورشة في 2013، في موقع التنفيذ بالمحطة بتمويل من المشروع، وقد أشرف على تدريب الكوادر الوطنية آنذاك الدكتور نعيم مزاهرة، وهو خبير الزراعة المحمية في المنظمة الدولية ICARDA ». قال وجيه.

زراعة الخيار تكللت بالنجاح

يقول المزارع عثمان: «قمنا بعقد اتفاق مع محطة البحوث بناء على طلب من المهندس وجيه بأن يتم الاشراف على برنامج الزراعة المائية لموسم جديد من بداية العام 2015، على أن نقوم نحن بالالتزام بتعليمات محطة البحوث الزراعية في إدارة المحصول».

وقال عثمان : «قمنا بتحويل البيت البلاستيكي المفرد المحلي، طوله 45 متر وعرضه 9 متر الى وحدة زراعة مائية وتركيب نظام تبريد مراوح وسائد، ثم قمنا برفع الاقواس مترين بحيث أصبح أقصى ارتفاع 5.5 متر، لاستغلال هذا الارتفاع والاستفادة من الجوانب، بما يناسب ارتفاع ونمو النبات ورفع الإنتاجية».

«كانت اول خطوة إزالة المحصول السابق وبقايا النباتات ثم تنظيف الاحواض نهائيا وإزالة البيئة السابقة التي كانت خليط من بيت موس وبير لايت، وتبديلها بالتفث البركاني المحلي من نفس المنطقة». قال عثمان.

وأضاف: «طلب منا المهندس وجيه احضار بيئة من الجبل القريب منا وهي التفث البركاني والذي نسميه محليا (هشاش او نيس بركاني) قمنا بغربلته وغسلة وتعبئه احواض الزراعة كبيئة ماسكة للجذور بأشراف المهندس وجيه وفريق من البحوث والإرشاد الزراعي».

ويؤكد عثمان سودان: «زرعنا الخيار في البيت المحمي الذي تم تجهيزه للزراعة المائية، وكان الانبات ممتاز، وفي مرحلة الازهار تم تركيب نظام التحكم الالي للري والتسميد، بعد ان كان يدوي ونتحكم به نحن، وبإشراف المهندس وجيه بدأت مرحلة الازهار، ثم تم التقليم وخف الأوراق وبدأت مرحلة الإنتاج».

كانت المفاجأة كبيرة للأخوين سودان عندما أثمر المحصول، كان وفرة الإنتاج بكميات كبيرة، وأعطت التقنية في الموسم الأول إنتاجية عالية، تعادل انتاج اثنين من البيوت المحمية بالطريقة العادية.

المزارع المائية في صنعاء

وفقاً لخبراء محطة البحوث الزراعية، فإن تقنية الزراعة المائية، تمتاز بكفاءة استخدام المياه، وتوفر مياه الري بشكل كبير يصل لحوالي 70% من كمية المياه المستخدمة بالزراعة التقليدية.

ومن حيث الإنتاجية، فهي عالية، حيث تشير دراسات محطة البحوث، إلى ان إنتاجية الزراعة المائية تفوق إنتاجية الزراعة بالتربة، بنسبة تصل الى أكثر من الضعفين، وخصوصاً لمحاصيل الطماطم والخيار والفلفل والباذنجان.

إن تقنية الزراعة المائية بدون تربة في اليمن، لم تتوقف عند الأخوين سودان، فثمة آخرين، ويؤكد المهندس وجيه المتوكل، ان الزراعة المائية انتقلت في العام 2016 من عمران، وانتشرت بعدة مناطق، ففي منطقة بني الحارث بمحافظة صنعاء، قام المزارع عبد الكريم الكتف بزراعة محصول الخيار في الموسم الأول.

وفي موقع المزرعة البحثية في منطقة “العرة” في صنعاء، تم زراعة الطماطم بتقنية الزراعة المائية وانتجت التجربة محصول الطماطم في 3 مواسم.

وفي منطقة الحصبة بالعاصمة صنعاء، قامت المزارعة فاطمة الطوقي، بتنفيذ تقنية الزراعة المائية، ونجحت في زراعة الفراولة والطماطم، وانتجت محاصيل جيدة من أول موسم.

تكاليف تطبيق نظام الزراعة المائية في اليمن

توصيات لنشر الزراعة المائية في اليمن:
يمكن لوزارة الزراعة والري في اليمن، وبقية الجهات المختصة، تعميم تقنية الزراعة المائية بدون تربة، وذلك من خلال تنفيذ في النقاط التالية:

– اصدار نشرة ارشادية، وبوسترات توعوية، وتنفيذ أيام حقلية للمزارعين، وتكثيف التدريب للمختصين والمزارعين في مجال الزراعة المائية تحت البيوت المحمية.

– توعية المزارعين المحليين بأهمية الزراعة بدون تربة أو الزراعة المائية، لما لها من مردود عالي يغطي احتياجات المزارع، ويوفر استهلاك وترشيد المياه.

– دعم المزارعين بتوفير المواد والامكانيات الازمة وعمل دورات تدريبة لهم في هذه التقنية.

– ادخال ثقافة نشر الزراعة بدون تربة في البرامج الوطنية والمشاريع التنموية المدعومة من الصناديق المانحة.

– التوسع في نشر نظام الزراعة بدون تربة لمحاصيل الخضر المختلفة مثل: الطماطم، الفلفل، الفراولة، وغيرها من الخضار.

– تقنية الزراعة المائية تعمل على تقليل استخدام كمية السماد، والمبيدات، وتضاف لها بمقدار حاجة النبات فقط.

شارك هذا الخبر

شاهد أيضاً

وداعا للبترول والديزل.. الصين تبهر العالم وتكشف عن اختراع بطارية ثورية.. 10 دقائق شحن تشغّل سيارة كهربائية لمسافة 600 كيلومتر

وداعا للبترول والديزل.. الصين تبهر العالم وتكشف عن اختراع بطارية ثورية.. 10 دقائق شحن تشغّل …