الميدان اليمني – متابعة خاصة
قضية واحدة فقط تشغل الداخل التركي في الوقت الحالي وتتصدر الصفحات الأولى للصحف التركية ونشرات الأخبار، بعد بيان “منتصف الليل” الذي أخرجه إلى العلن 103 من الضباط المتقاعدين، أرسلوا من خلاله تهديدا مبطنا للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وحكومته، بينما اعتقلت السلطات 10 منهم.
واعتبر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن البيان الذي أصدره ضباط متقاعدون ضد إنشاء قناة إسطنبول المائية بمثابة هجوم على الإرادة الوطنية، مذكرا ببيانات مماثلة سبقت الانقلابات العسكرية.
وقال أردوغان في مؤتمر صحفي إن ما قام به ضباط متقاعدون من البحرية هجوم على الإرادة الوطنية، ولا يندرج ضمن حرية التعبير، التي لا تشمل توجيه عبارات تهدد الإدارة المنتخبة، وأن البيان الذي أصدروه ناجم عن نوايا سيئة، وفق تعبيره.
كما اعتبر أردوغان أن كل هجوم على الديمقراطية في تركيا كان يبدأ ببيان مماثل للذي أصدره الضباط المتقاعدون، في إشارة للانقلابات العسكرية التي شهدتها البلاد.
وأضاف الرئيس التركي “الشعب سيرى من يقف إلى جانب الديمقراطية، ومن يقف إلى جانب الانقلابيين”، ووعد باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة.
وتابع أردوغان “لم نر هؤلاء الضباط إلى جانب شعبنا عندما نفذت منظمة غولن الإرهابية المحاولة الانقلابية”، معتبرا أن “معارضي مشروع قناة إسطنبول الذي يعزز السيادة الوطنية لتركيا، هم من أكبر أعداء أتاتورك والجمهورية”.
كما أكد أردوغان أن حكومته ليس لديها أي نية حاليا للخروج من اتفاقية “مونترو” الخاصة بحركة السفن عبر المضائق التركية، وأنها تولي أهمية للمكتسبات التي حققتها تركيا من الاتفاقية، وستواصل الالتزام بها إلى حين تحقيق الأفضل.
وقالت قناة الجزيرة إن أردوغان أدلى بهذه التصريحات بعد خروجه من اجتماع مع كبار المسؤولين في المجمع الرئاسي بأنقرة، امتد نحو ساعتين، وذلك لمناقشة البيان الذي أصدره 103 من الضباط المتقاعدين.
وأشارت الجزيرة إلى أن تحرك أردوغان والسلطات يؤكد أن الحكومة تتعامل مع البيان على أنه تهديد مباشر لزعزعة الاستقرار، أو توطئة للانقلاب على إرادة الشعب، كما صرح أردوغان.
وفي وقت سابق، ذكرت النيابة العامة في بيان أنها فتحت تحقيقا بخصوص البيان بتهمة “الاتفاق على ارتكاب جرائم ضد أمن الدولة والنظام الدستوري”.
وفي هذا السياق، أعلنت السلطات الأمنية التركية، اعتقال عشرة ضباط متقاعدين وقعوا على بيان يؤكد من أهمية اتفاقية مونترو التي تهدف لمنع عسكرة البحر الأسود لأمن تركيا.
وذكرت وكالة “الأناضول” أن الشرطة التركية اعتقلت عشرة ضباط متقاعدين واستدعت 4 آخرين للمثول أمام القضاء خلال ثلاثة أيام في إطار التحقيق بشأن البيان.
وقال إبراهيم قالين المتحدث باسم الرئاسة إن “البيان يحمل سمات مؤامرة عسكرية للإطاحة بالحكومة”، مضيفا أن “مجموعة من الجنود المتقاعدين يضعون أنفسهم في وضع مضحك وبائس ببيانهم الذي يردد أصداء زمن الانقلابات”.
وفي السياق نفسه، احتوى بيان ضباط الجيش المتقاعدين: أن اتفاقية “مونترو وفرت لتركيا إمكانية الإبقاء على حيادها في الحرب العالمية الثانية. من رأينا أن هناك حاجة لتجنب أي تصريحات أو أفعال قد تتسبب في إثارة النقاش حول هذه الاتفاقية المهمة لبقاء تركيا”.
وأثار البيان الذي وقع عليه 104 من كبار ضباط البحرية السابقين رد فعل من مسؤولين رأوا أنه يمثل تحديا مباشرا من الجيش للحكومة المدنية.
واعتبر وزير الخارجية التركية مولود جاويش أوغلو بيان الضباط المتقاعدين، بشأن قناة إسطنبول التي يعتزم الرئيس رجب طيب أردوغان شقها لتخفيف الضغط عن مضيق البوسفور، أسلوبا يستحضر لانقلاب.
وقال أوغلو -في اتصال مع إحدى وسائل الإعلام المحلية، في تعليقه على البيان الذي نشره 103 ضباط متقاعدين، إن قناة إسطنبول لا تؤثر على اتفاقية مونترو (الخاصة بحركة السفن عبر المضائق التركية) وإن الاتفاقية ليس لها تأثير كذلك على مشروع القناة.
وكان بيان الضباط المتقاعدين حذر من محاولة طرح اتفاقية “مونترو” موضوعًا للنقاش، واعتبروها الوثيقة الأساسية لأمن الدول المشاطئة للبحر الأسود.
ودعا بيان الضباط القوات المسلحة إلى الحفاظ على القيم الأساسية للدستور، كما دان الجهود الرامية إلى إظهار الجيش وقوات البحرية بعيدين عن المسار المعاصر الذي رسمه مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك.
وعاد وزير الخارجية ليقول إن البيان جاء بأسلوب استحضار الانقلابات كما كان في السابق، كما وصفه بأنه بمثابة مذكرة (عسكرية) مؤكدا على دفاع الرئيس أردوغان والحكومة عن الوطن الأزرق (المياه الواقعة تحت السيادة التركية) وعن مصالح البلاد.
وأضاف أن الذين يقفون وراء البيان لا يعنون منه اتفاقية مونترو، وإنما يستهدفون الرئيس أردوغان وحكومته وتحالف الشعب (يضم حزب العدالة والتنمية، حزب الحركة القومية).
كما تطرق جاويش أوغلو إلى بيان وزارة الدفاع، واصفا إياه بأنه أفضل رد على ما قاله الضباط المتقاعدون.
وردت وزارة الدفاع في بيان يوم الأحد بأن “نشر البيان لن يؤدي إلا إلى إلحاق الضرر بديمقراطيتنا”.
وأضافت أنه لا يمكن استخدام القوات المسلحة وسيلة لتحقيق “الغايات والأطماع والآمال الشخصية لمن ليس لديهم أي مهمة أو مسؤولية”.
واعتبرت الوزارة أن الذين لا يرون ولا يريدون أن يروا إنجازات الجيش التركي، الذي يعد جسدًا واحدًا بقواته البرية والبحرية والجوية، هم أولئك الذين أعماهم الطمع والجشع والحسد، حسب تعبير البيان.
والشهر الماضي، صادقت أنقرة على مشاريع لتطوير قناة للشحن البحري في إسطنبول أسوة بمشاريع قناة بنما والسويس، ويعتبر مسؤولون أتراك أن القناة الجديدة تكتسي أهمية حيوية لتخفيف الضغط عن مضيق البوسفور بإسطنبول الذي يعد ممرا أساسيا للتجارة العالمية.
واتفاقية مونترو وقعتها تركيا عام 1936، لتنظيم مرور السفن المدنية والعسكرية من مضيق إسطنبول، ومن أهم بنودها منع السفن التي يزيد وزنها على 15 ألف طن من السفن الأجنبية مرور مضيق إسطنبول.
وتحكم اتفاقية مونترو استخدام سفن الشحن من الدول الموقعة عليها لمضيقي البوسفور والدردنيل.
وتعطي الاتفاقية تركيا السيطرة على المضيقين داخل حدودها وتضمن دخول السفن المدنية في أوقات السلم كما تقيد دخول السفن الحربية.
وتخطط تركيا لشق قناة ضخمة تربط البحر الأسود شمالي إسطنبول ببحر مرمرة في الجنوب قال مسؤول تركي إن الاتفاقية لن تشملها.