أثارت مقالة نشرتها صحيفة “عكاظ” السعودية وشككت في موقع المسجد الأقصى عاصفة من ردود الفعل بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
وندد كثيرون من المتابعين بنشر المقالة، فيما رأى البعض أن مثل هذه المنشورات تأتي تمهيدا لتحضير الرأي العام لعملية تطبيع مرتقبة مع تل أبيب.
وكان كاتب المقالة قد قال إن الجواب عند ملايين المسلمين بشأن المسجد الذي جاء ذكره في القرآن في سورة الإسراء، يقع في فلسطين، مضيفا أنه “من غير المعروف لدى كثيرين أن مدينة القدس لم يكن اسمها كذلك في زمن الرسول ولا في زمن الصحابة، فقد كانت في القديم تعرف بمدينة إيلياء، حيث إن اسم إيلياء نسبة إلى إيلياء بن ارم بن سام بن نوح عليه السلام، ثم سميت إيليا نسبة إلى الإله الروماني الرئيسي”.
وتابع قائلا: “تغير اسم مدينة إيلياء في عصر الإمبراطور (قسطنطين) المتوفى عام 337 ميلاديا، وهو أول من تنصر من أباطرة الرومان، واعتمد المسيحية دينا رسميا وشعبيا في أنحاء الإمبراطورية، وقد ألغى اسم إيليا، وأعاد للمدينة اسمها الكنعاني”، مشيرا إلى أن الواقع أول اسم ثابت لمدينة القدس، هو “أوروسالم” أو “أوروشالم” (مدينة السلام).
وأفاد بأن سبب اعتقاد كثير من الناس أن المسجد الأقصى يقع في فلسطين يعود إلى أن كثيرا من كتب التاريخ وكتب التفاسير وخاصة المتأخرة منها تقول إن الأقصى يقع في القدس، ومن هنا صار الخلط بين القدس والقبلة والمسجد الأقصى.
وأشار الكاتب أسامة يماني إلى أن القدس ليست الأقصى، حيث لم تكن بهذا الاسم عند بعثة النبي محمد، ولا في عهد الخلفاء الراشدين، كما أن القدس مدينة والمسجد الأقصى مسجد.
وأوضح “أن القبلة الأولى لا علاقة لها بالمسجد الأقصى، كما لا يوجد إجماع حول القبلة الأولى، فهناك رأيان بشأن القبلة الأولى، كثيرون يقولون إن القبلة الأولى هي الكعبة، ويذكرون أن رسول الله كان يصلي بمكة إلى الكعبة ثم أمر بالصلاة إلى صخرة بيت المقدس بعد الهجرة…”، مستندا في ذلك إلى “الكشاف” للزمخشري: وتفسير البيضاوي وتفسير النيسابوري وكتاب فتح القدير للشوكاني.
وبين أن القرطبي يلخص هذا الخلاف، فيقول: “واختلفوا أيضا حين فرضت عليه الصلاة أولا بمكة، هل كانت إلى بيت المقدس أو إلى مكة، على قولين: فقالت طائفة: إلى بيت المقدس وبالمدينة سبعة عشر شهرا، ثمّ صرفه الله تعالى إلى الكعبة. قاله ابن عباس”.
وقال آخرون: أول ما افتُرضت الصلاة عليه إلى الكعبة، ولم يزل يصلي إليها طول مقامه بمكة.. فلما قدم المدينة صلى إلى بيت المقدس.. ثم صرفه الله إلى الكعبة. قال أبو عمر: وهذا أصح القولين عندي”، مستندا في كتاباته إلى تفسير القرطبي.
وتابع قائلا: “بكلمات أخرى، هنالك من يذهب إلى ترجيح هذا الرأي والقول إن الكعبة هي القبلة الأولى، وليس بيت المقدس. وكذا نستنتج أيضا من رواية ابن عباس الّذي يذكر أن بداية الأمر كانت إلى البيت العتيق، ثم تحول إلى بيت المقدس، وعاد بعدئذ إلى البيت العتيق: “استقبل رسول الله فصلى نحو بيت المقدس وترك البيت العتيق، ثم صرفه إلى بيته العتيق ونسخها..”، مستندا إلى تفسير ابن كثير.
وذكر الكاتب السعودي نقلا عن تفسير البيضاوي وتفسير ابن عجيبة، أن “البيت العتيق كان هو السابق، وقد تركه الرسول، ثمّ عاد إليه. بل هنالك من يصف الكعبة وبكلام صريح على أنها هي بالذات “أقدمُ القبلتين”.
وأفاد بأنه “يتضح مما أوردنا من آراء السلف أنه لا يوجد إجماع بشأن أولية القبلة لبيت المقدس، رغم شيوع هذه المقولة على الألسن وفي الكتابات في هذا الأوان”.
كما سرد أيضا ما قاله الواقدي الذي أفاد بأن المسجد الأقصى يقع في جعرانة، إذ يقول: “وَانْتَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْجِعِرّانَةِ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ لِخَمْسِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ فَأَقَامَ بِالْجِعِرّانَةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ فَلَمّا أَرَادَ الِانْصِرَافَ إلَى الْمَدِينَةِ خَرَجَ مِنْ الْجِعِرّانَةِ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ بَقِيَتْ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ لَيْلًا; فَأَحْرَمَ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الّذِي تَحْتَ الْوَادِي بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى، وَكَانَ مُصَلّى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا كَانَ بِالْجِعِرّانَةِ، فَأَمّا هَذَا الْمَسْجِدُ الْأَدْنَى، فَبَنَاهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَاِتّخَذَ ذَلِكَ الْحَائِطَ عِنْدَهُ”.
والجعرانة هي موضع بين مكة والطائف من الحل، بينها وبين مكة ثمانية عشر ميلا على ما ذكره الباجي، وتقع شمال شرقي مكة المكرمة، وفيها علما الحد، ومنها أحرم النبي محمد لعمرته الثالثة على ما نصت عليه الروايات، وفيها مسجده الذي صلى فيه وأحرم منه عند مرجعه من الطائف بعد فتح مكة.
ويقع هذا المسجد وراء الوادي بالعدوة القصوى ويعرف بالمسجد الأقصى لوجود مسجد آخر بني من قبل أحد المحسنين يعرف بالمسجد الأدنى.
وختم مقاله قائلا إن “العبرة التي نخلص إليها من هذا الاختلاف بين الروايات والرواة يرجع لأمور سياسية وظفت لصالح أحداث أو قضايا ومواقف سياسية لا علاقة لها بالإيمان ولا بصالح الأعمال والعبادات”.