الميدان اليمني – وكالات
أبدى ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز هذا الشهر في قصره بمكة “انزعاجه الشديد” من الإمارات أقرب الشركاء العرب للمملكة -حسب مصادر مطلعة- رغم أن كل المؤشرات كانت تدل على أن عرى العلاقة بين البلدين لا تنفصم على الساحة العالمية.
وعمل البلدان معا على الظهور بمظهر من يتمتع بالنفوذ في الشرق الأوسط وما وراءه، كما توددا للرئيس الأميركي دونالد ترامب من أجل التصدي “للعدو المشترك” إيران.
ولخلخلة العلاقات بين أبو ظبي والرياض تداعيات تتجاوز بكثير علاقاتهما الثنائية، فالخلاف قد يضعف حملة “الضغوط القصوى” التي يقودها ترامب على طهران ويلحق الضرر بمساعي إحلال السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بل وقد يكون له أصداء على مسارح صراع أخرى.
ويعد المصدر المباشر للتوتر هو حرب اليمن الطاحنة، ومنذ أشهر تتزايد الاحتكاكات بسبب هذا الصراع الذي كان من المنتظر في بدايته أن يستمر بضعة أسابيع لكنه طال لسنوات وسقط فيه عشرات الآلاف، ولا تبدو له نهاية في الأفق.
أما السبب الأشمل فهو قرار يبدو أن الإمارات اتخذته بالتحول لخدمة مصالح وطنية أضيق وإظهار نفسها بصورة الشريك الأكثر نضجا الذي بمقدوره تحقيق استقرار المنطقة حتى إذا كان المغزى من وراء ذلك تقليص الخسائر والمضي قدما من دون الرياض.
ويبدو أن أبو ظبي حريصة أيضا على إنقاذ صورتها في واشنطن حيث أدى مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي إلى تعميق المخاوف من تحول السياسة الخارجية التي تنتهجها المملكة إلى الاندفاع والنزوع للتدخل.
في سياق متصل، قال مصدر مطلع على ما يدور بالحكومة السعودية “الإمارات تريد أن تظهر بمظهر الدولة الصغيرة التي تيسر تحقيق السلام والاستقرار لا التابع لطرف سعودي يبدو منتصرا وينزع للتوسع”.
وأضاف المصدر أن “الأمر بأي شكل من الأشكال هو تقديم مصالحهم، لأنهم يعتقدون أنه إذا كانت السعودية تنزع للتوسع فستبتلعهم”.
عمليا على الأرض، قلصت الإمارات في يونيو/حزيران وجودها العسكري باليمن، وقيدت الرياض بحرب مكروهة بدأتها لتحييد الحوثيين ومنع إيران من تعزيز نفوذها على الحدود.
وقال مسؤول إماراتي كبير إن تلك الخطوة كانت تطورا طبيعيا بسبب اتفاق السلام الذي أبرم برعاية الأمم المتحدة في مدينة الحديدة الساحلية الغربية.
غير أن بعض الدبلوماسيين يقولون إن الإمارات قبلت فكرة أنه لا يوجد حل عسكري للصراع وإنها تشعر بالحساسية للانتقادات الموجهة للكارثة الإنسانية والضربات الجوية التي يشنها التحالف وأسفرت عن مصرع مدنيين، وقد عجل تزايد التوترات الخاصة بإيران بهذا القرار.
وقال دبلوماسي غربي “لم يُستقبل ذلك بطريقة إيجابية، فقد شعر السعوديون بأنهم جرى التخلي عنهم”.
في حين تقول أبو ظبي إن هذا التحرك تم بالتنسيق مع الرياض مقدما، وعكس حقائق واقعة على الأرض مع تحرك الأمم المتحدة لتمهيد السبيل أمام محادثات السلام.
كما يبدو أن للبلدين العربيين، وهما من القوى الرئيسية في العالم الإسلامي السني، آراء مختلفة في إيران خصمهما الشيعي.
وقد سعى البلدان لحمل الولايات المتحدة على أخذ موقف أقوى من أنشطة طهران بالمنطقة وقدراتها الصاروخية، غير أن الإمارات تبنت نبرة أخف بعد التفجيرات التي وقعت في ناقلات بمياه الخليج وحملت واشنطن والرياض مسؤوليتها لإيران.
وتنفي إيران ضلوعها في التفجيرات، غير أن البعض بمنطقة الخليج يخشى وقوع مواجهة مباشرة ربما تعرض الإمارات واقتصادها للخطر.
فالإمارات التي كونت لنفسها سمعة كمركز للأعمال أكثر عرضة للتأثر مقارنة بالسعودية أكبر دولة مصدرة للبترول في العالم، وترى نفسها عامل استقرار في المنطقة.
وقال مصدر أن مفاتحات أبو ظبي الأخيرة تجاه إيران -بما في ذلك محادثات حول الأمن البحري- ربما تدلل على أن “شهر العسل مع السعودية انتهى”.
وقال مصدر آخر إن حجة الإمارات في ذلك أن دبي (مركزها التجاري) تربطها علاقات تجارية قوية بإيران، بالإضافة إلى أن شغل أبو ظبي الشاغل هو حماية ممر باب المندب الإستراتيجي وإبقاء الإسلاميين تحت السيطرة.
على صعيد آخر، يقول مصدر خليجي إن التحالف “على خير ما يرام” من حيث التصدي للتهديدات الإقليمية مثل إيران والإسلاميين، لكنه سلم بحدوث عملية إعادة موازنة مع تطور الأوضاع، وربما يكون من هذه الأوضاع دور إيران باليمن.
ففي الوقت الذي تعمل فيه واشنطن على تكوين تحالف بحري لتأمين مياه الخليج، يمكن لإيران أن تذكي نار التوترات من خلال الحوثيين للضغط على السعودية وتجنب المجازفة بحرب ناقلات على غرار ما حدث بالثمانينيات.
وقال مات ريد نائب رئيس فورين ريبورتس لاستشارات الطاقة “اليمن يبدو الآن مثل نقطة الصفر للتصعيد الإيراني، فحرب الناقلات مجازفة بالتحول إلى صراع دولي، لكن اليمن أمر مختلف”.